بدأت بواجب مدرسي لابنها.. مهندسة فلسطينية تنتج 2000 مجسم تعليمي لمدارس الضفة الغربية
ساعات في التفكير ويوم أو أكثر في التنفيذ، فإعداد مجسم لغاية تعليمية يختصر درسا كاملا أو وحدة من كتاب تتناقله أجيال، ليس سهلا خاصة إذا كانت المهندسة الفلسطينية ميس أبو حجلة هي من تتولى ذلك.
لم تذهب ميس بتفكيرها حدا بعيدا حين أرادت عمل المجسم لطفلها، ولم تعرف بأنها ستصبح محترفة صناعة الوسائل والمجسمات التعليمية، وأن ما قامت به ليس واجبا مدرسيا، وأن المستفيد ليس ابنها وحده بقدر ما هو “إنقاذ” لآلاف الطلاب.
وتعود الحكاية إلى 6 سنوات مضت، حينها كان معتز نجل ميس طفلا في الصف الأول الأساسي، وينهل علما من درس اللغة العربية بعنوان “مدرستي”، فبادرت لتقريب الفكرة إلى ذهنه بعمل مجسم لمبنى مدرسته بكل محتوياته وتفاصيله، حتى النظارات، التي وضعت فوق منضدة كبيرة دلت على أنها غرفة المدير.
وشكل هذا التميز دافعا لميس لإنتاج أكثر من ألفي مجسم ووسيلة تعليمية، قدمتها لمدارس عدة في الضفة الغربية ولطلبة جامعات بطرق أكثر حداثة وإتقان لتسوِّقها كعمل ترتزق به، واتخذت من المواقع الإلكترونية والمكتبات وسيلة لذلك، قبل أن يذيع صيتها في السنتين الأخيرتين.
ثلاثية الأبعاد
في منزلها بحي المساكن الشعبية بمدينة نابلس (شمال الضفة الغربية) تعد مهندسة الحاسوب ميس أبو حجلة الوسائل التعليمية، وتتخذ من منضدة توسطت المطبخ مكانا لذلك، ومنه تقوم بواجباتها المنزلية، وتدريس طفلها أيضا.
حين التقيناها كانت ميس قد فرغت من إعداد مجسم الخلية النباتية، وباشرت بتنفيذ عمل آخر، وبضغط على جهاز التحكم بالتلفاز راحت تطلعنا على عشرات الفيديوهات، التي أنتجها بنفسها، ونشرتها عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لتعم الفائدة ويزيد ترويجها.
لا يختلف المجسم عن الوسيلة التعليمية من حيث الهدف، وهو تيسير وصول المعلومة للطالب وترسيخها في ذهنه، وفي الإعداد والتنفيذ؛ لكن الأمر مختلف لدى ميس، فقد تكون الوسيلة رسما مضافا له بعض الحركات التفاعلية، أما التجسيم فهو تحويل النصوص والمعلومات لأشكال تجسمها وتدلل عليها، وتميزها أكثر فتجعلها “ثلاثية الأبعاد”.
وعيانا يمكن مشاهدة تلك المجسمات والولوج في تفاصيلها وطريقة عملها، وهي تتنوع بين المواد العلمية كالفيزياء والرياضيات؛ مثل مجسم القسمة الطويلة وكواكب المجموعة الشمسية، والعلوم الإنسانية؛ كاللغة العربية والتربية الإسلامية، اللذين جسدتهما بمشروعي مدرستي وأركان الإسلام.
وعن قرب رأينا أعمال ميس، وانتقلنا برفقتها لمدرسة بكالوريا الرواد، حيث أعدت مجسم “مدينة الملاهي”، والذي يحاكي التحويلات الهندسية في الرياضيات المتمثلة بحالات الدوران والانعكاس والانسحاب (الانتقال)، وكيف أن الشكل الهندسي يحافظ على أطوال الأضلاع وقياس الزوايا ثابتة.
توصيل الفكرة
تقول ميس للجزيرة نت إنها احترفت في صغرها الرسم وألعاب الذكاء ما جعلها متفوقة في دراستها الثانوية والجامعية، وسهَّل مهمتها في تجسيم الوسائل التعليمية، ولذا فهي تدرس الفكرة، وتتفحص مصادرها العلمية وآلية عملها؛ لتسقطها واقعا بهدف “إقناع الطلبة وحثهم على التفكير”.
وتضيف أن المجسمات تخدم الطلبة بمختلف أعمارهم، وبما يحقق احتياج المعلم لتوصيل المعلومة بحذافيرها وجعلها شيئا ملموسا بين يدي الطالب، وتشكل أيضا داعما أساسيا لطلبة الاحتياجات الخاصة لا سيما “الإعاقة الذهنية”، الذين يواجهون صعوبات في التعلم.
وتتميز المجسمات بإتقانها وكلفتها القليلة وخفة وزنها وأنها أكثر أمنا ومتانة؛ فلا تحوي مواد سامة أو قابلة للكسر، وجزء منها يقوم على “إعادة التدوير” للنفايات الصلبة خاصة عبوات الكرتون والحديد الفارغة ويافطات الدعاية وغيرها.
وكان لقلة وجود المجسمات وانتشارها دور كبير في تشجيع ميس لإنتاج وسائل أكثر “ذكاء وإبداعا”، وإن كان ذلك على حساب الوقت الطويل “والسهر لساعات الفجر” لتخرج عملها الذي وسمته بشعارها “إم آند إم” (M & M)، في إشارة لأول حرفين من اسمها واسم ولدها معتز.
المتابعة وملاحقة التطور
وبعيدا ذهبت ميس بتفكيرها، فواكبت التطورات وطوعتها في أعمالها ونقلتها للجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فأعدت عشرات الفيديوهات برفقة ابنها معتز مع شرح وافٍ بالصوت والصورة لكثير من المجسمات؛ لتوصيل المعلومة للجميع خاصة أولئك الذين لا يملكون ثمنها.
ويقول معتز، نجل ميس، إنه يساعد والدته في كل ما تحتاجه، بدءا من اختيار الأفكار وتنفيذها وتصويرها والترويج لها بين أقرانه، وهو ما يجعله متفوقا ومستكشفا كما غيره من الطلبة لآلية عمل كل مجسم.
وكما الطلبة استفاد معلمون -و”أساتذة جامعيون أيضا”- من مجسمات ميس…