“تطوير قدرات الإدارة في القطاع الحكومي من خلال الذكاء الاصطناعي”.. بقلم:أ. هادي صالح الحربي

بقلم الاستاذ هادي صالح الحربي
عضو هيئة التدريب في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.
مقال بعنوان
“تطوير قدرات الإدارة في القطاع الحكومي من خلال الذكاء الاصطناعي”
مع تسارع وتيرة التحول الرقمي في مختلف القطاعات، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) أحد الأدوات الرئيسية التي تدعم تطوير الأداء الإداري في الإدارة خاصة في القطاع الحكومي. فمع تزايد التحديات الإدارية والتشغيلية التي تواجه الإدارة العامة، برزت الحاجة إلى تبني حلول ذكية تعزز من الكفاءة والشفافية وتحسن من جودة الخدمات العامة. لذلك سوف استعرض الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تطوير قدرات الإدارة العامة.
الإدارة العامة تتطلب اتخاذ قرارات مستمرة مبنية على تحليل دقيق للبيانات، وهو ما يجعل الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية في هذا المجال. من خلال قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة فائقة تساعد صناع القرار في رسم سياسات أكثر دقة وكفاءة. كما يسهم في تحسين الأداء الحكومي من خلال تبسيط العمليات الإدارية وتقليل الأخطاء البشرية وزيادة مستويات الأتمتة.
كذلك يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل مؤشرات الاقتصاد، حركة الأسواق، وسلوك المواطنين لتوفير رؤى دقيقة تساعد في صياغة السياسات العامة.
من هنا تتجه الإدارة العامة للاعتماد بشكل متزايد على المساعدين الافتراضيين (Chatbots) وتقنيات التعلم الآلي لتحسين خدماتها الإلكترونية. فمثلاً، يمكن للذكاء الاصطناعي الرد على استفسارات المواطنين بسرعة، تسهيل عمليات استخراج الوثائق الرسمية، وحتى المساعدة في تقديم الطلبات الحكومية دون الحاجة إلى تدخل بشري.
وسوف ابين بعض الفرص للاستفادة من الذكاء الاصطناعي منها على سبيل المثال لا الحصر.
أولا: مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الأنماط في العقود والمشتريات الحكومية لاكتشاف أي تجاوزات أو شبهات فساد. كما يمكنه مراقبة الإنفاق الحكومي والتأكد من التزام المؤسسات بالقوانين واللوائح، مما يعزز مستويات الشفافية والمساءلة في القطاع الحكومي.
ثانيا: تحسين إدارة الموارد البشرية
يستخدم الذكاء الاصطناعي في تقييم وتوظيف الكفاءات الحكومية من خلال تحليل بيانات المتقدمين للوظائف وقياس مؤهلاتهم تلقائيًا، مما يساعد على اختيار الكوادر الأكثر كفاءة. كما يمكنه تحسين أداء الموظفين من خلال تقديم توصيات تدريبية مخصصة بناءً على تحليل أدائهم.
ثالثا. التنبؤ بالكوارث وإدارة الأزمات
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات البيئية والمناخية والصحية والاقتصادية للتنبؤ بالأزمات مما يسمح للحكومات باتخاذ تدابير استباقية لحماية المواطنين. كما يمكن استخدامه في إدارة الأزمات الصحية، كما حدث خلال جائحة كورونا، حيث ساعد الذكاء الاصطناعي في تتبع انتشار الفيروس وتحليل البيانات الوبائية.
وأيضا نجد اثر تبني الذكاء الاصطناعي في الإدارة العامة تظهر نتائجها في مواقع مثل.
• زيادة الكفاءة التشغيلية: من خلال أتمتة المهام الروتينية وتقليل الوقت والجهد المبذول في العمليات الإدارية.
• تحسين جودة الخدمات: عبر توفير خدمات حكومية أسرع وأكثر دقة.
• خفض التكاليف: من خلال تقليل الحاجة إلى الموارد البشرية لتنفيذ العمليات التقليدية.
• تعزيز رضا المواطنين: عبر توفير خدمات مخصصة تعتمد على احتياجاتهم الفعلية.
ولتحقيق أقصى استفادة من التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، يجب تبني أبرز الاستراتيجيات التالية:
1. بناء استراتيجية رقمية متكاملة
• وضع خارطة طريق للتحول الرقمي تشمل أهدافًا واضحة وآليات تنفيذ محددة.
• دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في صميم العمليات الحكومية وليس فقط كأدوات مساندة.
• تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والخاصة للاستفادة من الخبرات المتقدمة.
2. تطوير البنية التحتية الرقمية
• تحديث الأنظمة التقنية القديمة واستبدالها بمنصات سحابية مرنة تدعم التكامل بين الإدارات المختلفة.
• تبني حلول البيانات الضخمة (Big Data) لتحليل البيانات واتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية.
• تحسين البنية التحتية للأمن السيبراني لضمان حماية البيانات الحكومية والمعلومات الحساسة.
3. تعزيز ثقافة الابتكار داخل الإدارات الحكومية
• تشجيع الموظفين على استخدام الذكاء الاصطناعي في تنفيذ مهامهم اليومية وتحليل البيانات.
• تحفيز روح الإبداع من خلال إنشاء حاضنات حكومية للابتكار التكنولوجي.
• توفير منصات تجريبية لاختبار الحلول الذكية قبل تعميمها
4. تطوير القدرات البشرية والتدريب المستمر
• تنفيذ برامج تدريب متخصصة للموظفين الحكوميين على أدوات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
• إنشاء أكاديميات حكومية رقمية بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث لتأهيل الكوادر البشرية.
• تقديم دورات تدريبية قصيرة ومتخصصة في تحليل البيانات، إدارة المشاريع الرقمية، وأمن المعلومات.
5. إعادة هيكلة الوظائف الحكومية
• تحديد المهام القابلة للأتمتة عبر الذكاء الاصطناعي وإعادة توزيع الموارد البشرية وفقًا لذلك.
• تحويل بعض الوظائف التقليدية إلى مهام إشرافية وتحليلية تتطلب مهارات رقمية متقدمة.
• استحداث وظائف جديدة مثل محللي البيانات، خبراء الذكاء الاصطناعي، ومهندسي الأنظمة الذكية.
6. تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص
• التعاون مع الشركات التكنولوجية الرائدة لتسريع تبني الحلول الذكية.
• دعم ريادة الأعمال في مجال GovTech (التكنولوجيا الحكومية) لتحفيز الابتكار.
• اعتماد نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) لتنفيذ مشاريع التحول الرقمي بكفاءة.
7. تحسين التشريعات والسياسات الداعمة للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي
• وضع أطر قانونية واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية.
• ضمان الالتزام بمعايير الخصوصية وحماية البيانات.
• إنشاء لجان وطنية متخصصة لمتابعة تنفيذ خطط التحول الرقمي وتقييم الأداء.
8. تعزيز تجربة المواطن الرقمية
• تطوير منصات حكومية ذكية تسهل وصول المواطنين إلى الخدمات عبر الإنترنت.
• استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل احتياجات المواطنين وتخصيص الخدمات لها.
• تحسين تجربة المستخدم من خلال تطبيقات المساعد الافتراضي (Chatbots) والذكاء الاصطناعي التفاعلي.
ولضمان نجاح التحول الرقمي في الإدارة العامة، يجب أن يكون الاستثمار في التكنولوجيا مترافقا مع تطوير مهارات الموظفين وإعادة هيكلة العمليات بطريقة تستفيد بالكامل من إمكانيات الذكاء الاصطناعي. فالتكنولوجيا وحدها لا تكفي، بل يجب أن تكون جزءًا من نموذج إداري حديث.
فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية مساندة، بل هو أداة استراتيجية قادرة على إحداث نقلة نوعية في الإدارة العامة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء الحكومي وتعزيز تجربة المواطن. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التحول يعتمد على قدرة الحكومات على الاستثمار في التدريب المستمر، تبني سياسات مرنة، وتعزيز الابتكار داخل المؤسسات الحكومية. فالمستقبل للإدارات التي تستطيع التكيف بسرعة مع التكنولوجيا، وتسخرها بذكاء لتحقيق التنمية المستدامة