سوسن إبراهيم تكتب: قدر
لماذا الله قاسيا معنا؟ سؤال الصبي الصغير الذي سأل النبي إيليا _هو نفسه النبي إلياس في الروايات الإسلامية_ بعدما خسر أمه التي قضت نحبها حرقا حينما وقعت حرب في مدينة أكبر _مدينة صرفت_. حرب اللاإنسانية والآلام. وقعت أحداث هذه القصة في رواية المبدع البرازيلي باولو كويلو بروايته المعنونة بالجبل الخامس من حياة النبي ايليا والمقتبس من كتاب التناخ المقدس.
أجاب إيليا: “الله كليّ الإرادة، قادر على كل شيء، ولا شيء يمتنع عليه..” ومن هنا تتجلى لنا قدرة الله الذي يقدر الموازين، فبعلمه وبحكمته يوزع الأرزاق والآلام بالتساوي على البشر حتى وان لم تكن واضحة وصريحة للعيان، حتى ولو ظننت بأن مصابك اعظم من مصاب الاخرين وبأن قدرتك أقل سعة واحتواء من حجم ما تتعرض له. يقول عز وجل في محكم التنزيل: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..” وبهذه الآية الكريمة دحض لجميع الاقوال والظنون التي تتراءى لأغلب البشر بثقل الحمل وعجز النفس عن الاستمرار في خوض الحياة بصعابها وأحزانها.
ف لله حكمة في كافة أموره حتى تلك التي ترتدي رداء الألم او الجوع أو الحرمان أو الفقد. ولذلك أريدك أن تذكر محنة مررت بها، نعم تلك الراسخة ببالك، التي تذكرتها في الحال حينما قرأت سطوري التي سطرتها سالفا. نعم، تلك المحنة المرهقة التي استنزفت نفسك وألمت روحك حتى اعتقدت انك لن تنجو منها ابدا، ستظل عالقة بذاكرتك تنخز مشاعرك وتعبث بمزاجيتك. ولكن ستدرك ان حكمة الله واسعة غلفت الخير والحياة والامل ب البلايا والمحن التي خضتها.
الله ليس قاسيا وليس بمقدورنا وصفه بهذا النعت الذي لا يوصف الا لبشر. الله يتجاوز الصفات الانسانية فهو كلي القدرة المنتقم والحليم والجبار والودود. لصفاته أثر المرهم على الروح لمن يتدبر اسمائه ويتفكر إشاراته.
أول ما يخطر على بال المبتلى هو لماذا يحدث ذلك لي؟ لماذا انا بالذات؟ من الطبيعي أنك ستتألم في فترة من فترات حياتك كما لم تتألم من قبل وستنكر مصابك وحالتك ولكن حالما تمر هذه الموجة التي هزت كيانك وقلبت موازين حياتك وبعدما تنجلي الغمة وتتبعثر السحابة ستوقن حينها فقط حجم المنحة التي مررت بها بانها ليست إلا تجربة أتت لتكشف لك معنى الحياة ولكي توقظك من سباتك وغياهب جهلك التي تمزق الروح أكثر من المصيبة نفسها. ستصقل شخصيتك وتعدك للمستقبل.
ثق بأن الله حكيم وكافة أقداره خيرة تنير ظلمة الليالي الحالكة وإن كان صوتها كرعد الشتاء مفزعة.
سوسن إبراهيم