حسن علي الشواف يكتب: الندامة تولد التوفيق
كان جدي يتميّز بالانضباط في الوقت حيث كان ملتزما بالذّهاب لمكتبه التّجاري في أوقات منضبطة لا تتغيّر مهما تغيّرت الظروف، ولكن حتما كانت تمر بعض الأيّام لعارضٍ ما أو لظرفٍ يحيل بينه وبين الانضباط فيتأخّر بضع دقائق ولكنّه كان يصر على أن يحضر في أسرع وقت إذا تأخّر، وعلى غير عادته في يوم من الأيام خرجت مع جدّي وكنّا متأخرين عن موعد فتح المكتب، فصادفنا ونحن في الطّريق رجل يطلب المساعدة منّا، فطلب جدّي منه الصّفح والعفو حيث إنّه في غاية العجَلة
ويريد أن يلحق بالعمل في أسرع وقت حتّى لا تتأخّر حقوق الآخرين، فلم يلبِّ جدّي حاجة السائل.
وبعد أن انتهينا من الدّوام رأيت جدّي على غير عادته، الرجل المبتسم البشوش لم يعُد باسما بشوشا، فكان مهموما وتقاسيم وجهه تترجم حزنه، فقال لي: «ولدي حسن، تتذكّر ذلك الرّجل الذي جاءنا وطلب منّا المساعدة؟». قلت له: «بلى يا جدّي». قال لي: «أنا نادمٌ على عدَم وقوفنا له ومساعدته». فتعجّبت كثيرا حيث إنّ جدّي كان حقَّا مضطرا فكان مخيّرا بين أمرين ورجَّح ما تقتضيه المصلحة وهي حقوق النّاس، ولكنّه كان طيّب وحسّاس إلى هذه الدّرجة تجاه الإحسان للآخرين وإجابة السائلين.
فأمرني بعد ذلك بأن نخرج في كل يوم وفي ذات المكان قبل موعد الدّوام بقليل لعلّنا نلتقي بذلك الرّجل وللأسف لم نلقه.
فلا أنسَ تلك الفترة حيث كنّا نقِف لدقائق في ذلك الشّارع ننتظر مصادفة ذلك الرّجل ولكن لم نجِد له أثرا، وبعد مرور أسبوع وجدناه في نفس المكان، فأسرع له جدّي فرحا
يهلّل ويكبّر، فالتقاه وحدّثه بالقصّة وقضى حاجته بعد ذلك، فشعر بارتياح كبير بعد هذا الموقف.
لقد كان يمتلك قلبا يسَعُ الجميع وضميرا تعلّم على محاسبة الذّات وبذل خير ما إن توفّرت السُّبُل.