د. إقبال الشايجي تكتب: إنسانية الغش
تنص المادة (52) من اللائحة الأساسية لنظام الدراسة بكليات التعليم التطبيقي (المعدلة) مارس 2003، بأن عقوبة الغش في الامتحانات (النهائية أو الفصلية) أو الشروع فيه هي اعتبار الطالب راسبًا في المقرر الذي يُضبط فيه، ويسجل في كشف درجاته أنه “راسب للغش”، ثم يُحرم من التسجيل في الفصل الدراسي التالي لثبوت واقعة الغش، بما في ذلك الفصل الصيفي، وإذا عاود الطالب الغش مرة ثانية، يُفصل فصلاً نهائيًا من الكلية ويُثبت ذلك في سجله الدراسي.
وهي عقوبة تعسفية، تضر بأبنائنا الطلبة ومستقبلهم. فلا يجب أن يتم حرمان الطالب من الدراسة لمدة فصل دراسي كامل ومعه الفصل الصيفي فقط لأنه غش في امتحان أحد المقررات. فهؤلاء في الأول والآخر هم أبناؤنا ولا نود الضرر لهم ولا لذويهم الذين يتضرعون للمولى عز وجل أن يتخرج ولدهم بشهادة تفيده وقد تفيد أسرته. ناهيك عن إن كان هذا الطالب من أبناء إخواننا غير محددي الجنسية، والذي إن حُرم من الدراسة لمدة ستة أشهر تقريبًا، يعلم الله ماذا سيكون مستقبله. كما يجب أن نسأل أنفسنا: لمَ غش الطالب من الأساس؟ هل لأننا نعزز عند الطلبة الخوف والرهبة من الامتحانات، والتي زعزعت ثقتهم بأنفسهم لدرجة أنهم لن يستطيعوا اجتياز الامتحان إلا بالغش؟ أم لقصورٍ عندنا في الشرح وإيصال المعلومة؟ والأهم من هذا وذاك، كيف نُعرّف الغش؟ وماذا يعني الشروع فيه؟ وكيف لنا أن نطبق لائحة دون أن نفهم مصطلحاتها؟ بل كيف نثبت أن الطالب قد غش فعلاً؟ فإن دخل الطالب قاعة الامتحان وفي يده (وليس في جيبه) “برشامة”، هل يعني ذلك أن الطالب غش؟ أو أنه شرع في الغش؟
يجب أن نفكر جديًا في تعديل هذه العقوبة التعسفية، كأن يتم احتساب الطالب راسبًا في المقرر الذي غش فقط فيه دون الحاجة لحرمانه من الدراسة لفصلين دراسيين أو فصله نهائيًا من الكلية. ويجب أن تأخذنا بهم الرأفة والرحمة كي لا نضر بمستقبلهم. فلجوء أبناؤنا للغش ما هو إلا غلطة، قد تكون غير مقصودة، وقد يكون لها أسبابها القاهرة.
كل ما سبق، أصنفه شخصيًا تحت مقولة “خدعوك فقالوا”، كل ما سبق ما هو إلا نظرة ضيقة جدًا لمسألة الغش، في أي مجال من مجالات الحياة، ليس الامتحانات فقط.
لنجاوب أولاً على أهم سؤال: ما هو تعريف الغش قانونًا وماذا يعني الشروع فيه؟ وحتى لا أتحدث في غير تخصصي، سألت أهل الاختصاص، فأتتني الإجابة كالتالي: “الغش هو الحصول على المعلومات بغير الطريق المحدد قانونًا أو عرفًا. ففي الامتحان يتم الحصول على المعلومة وتقديمها من خلال الاعتماد على الذات، وأي اعتمادٍ على غير الذات فهو غش، وأي محاولة للاعتماد على غير الذات ولم تتم لتدخل عوامل خارجية، فهي شروع”. أي أن الحصول على المعلومة وقت الامتحان باستخدام البراشيم، أو الهاتف النقال، أو الساعات الذكية أو السماعات، أو الاستعانة بصديق، تقع كلها تحت تعريف “الاعتماد على غير الذات” وتعتبر غشًا. وإن تم مقاطعة الطالب الذي يثبت عليه استخدام أيٍ من هذه الطرق قبل الاستفادة منها فعليًا، فهو شروع في الغش. هي كما قيل لي: “ألف باء القانون، يا دكتورة”، ولا لبس في هذه المفاهيم.
ثم لنأتي إلى مدى تعسف العقوبة في اللائحة المذكورة أعلاه. بالطبع، يجب أن تكون عقوبة الغش قاسية ومخيفة، ويجب أن يكون لها وقعٌ في مستقبل الطالب، وإلا لن تكون رادعة له. من أمن العقوبة، أساء الأدب، أليس كذلك؟ أما أن نخفف عقوبة الغش على الطالب، كاعتباره راسبًا في المقرر فقط، فنحن بذلك شجعناه على الغش مرة ثانية وثالثة ورابعة. ولم لا؟ “إذا نفعت البرشامة، نجحت، وإذا صادوني، أنا أصلاً راسب في المقرر. أجرب الفصل القادم”!! ثم أن عقوبة الغش ليست نهائية، فللطالب الحق في التظلم إن كان مظلومًا، وله الحق في استكمال دراسته بعد حرمانه فصلين إن ثبتت واقعة الغش عليه، لكنه سيُفصل نهائيًا إن غش مرة أخرى. هذا هو الدرس، وهذا هو الرادع عن الغش.
إن الصورة الأكبر التي يجب أن ننظر لها هي المجتمع! فنحن بحججنا الواهية لتبرير غش الطلبة والتساهل معهم، سنملأ المجتمع بشعب غشاش: يعمل بغش، ويربي أبناءه على الغش، ويبيع بلده ووطنه بالغش. ثم تخيل معي، عزيزي القارئ، إن كان هؤلاء الطلبة الغشاشين الذين تعاطفنا معهم هم طلبة طب وصيدلة وطب مساعد وطوارئ طبية وغيرها من المهن التي تُعنى بصحة المرضى وحياتهم، ماذا سيكون مصير هؤلاء المرضى؟ لذلك فنحن في كلية العلوم الصحية بالتطبيقي، ذات التخصصات الطبية الحساسة، نفخر بأننا نطبق لائحة الغش كي لا نشجع الغشاشين، ولا نُخرّج للمجتمع أجيالاً قد يكونون السبب في فنائه.
إن الغش هو آفة المجتمعات، والمتسترون على الغشاشين هم غذاء هذه الآفة، فلا مبرر للغش، ولا جنسية له ولا أًصل ولا فصل. حفظ الله الكويت وأميرها وشعبها وأدام علينا نعمة الأمن والأمان.