د. حمود العبدلي يكتب: التعليم 4.0 يُعيد تشكيل مفهوم وعمليات جودة التعليم العالي
إن التقاء التكنولوجيا الحديثة مع عملية التعليم قد فتح آفاقاً غير مسبوقة لتوسيع نطاق التعلُم وجعله أكثر شمولية وانفتاحاً، فقد ساهمت تقنيات التعلُم الذاتي المعزز بالذكاء الاصطناعي وبوابات التعليم عبر الإنترنت بتمكين الطلاب من الوصول إلى محتويات تعليمية غنية بأساليب حديثة تتماشى وأنماط تعلمهم، كما أتاحت هذه التقنيات للمؤسسات التعليمية تلبية احتياجات طلابها وتحضيرهم لسوق العمل من خلال برامج مرنة تراعي طبيعة عصر التغير المتسارع، ويمثل دخول مرحلة “التعليم 4.0” ثورة فعلية في مفهوم وعملية التعليم ككل؛ حيث ستتحول رحلة التعلُم إلى تجربة مستمرة التطور تتكيف وتتلاءم مع المتغيرات المعاصرة بكل أبعادها، وهكذا يمهد هذا التقابل بين التكنولوجيا والتعليم الطريق أمام مستقبل واعد لنشر مخرجات التعليم وتوسيع نطاقها بما يحقق أهداف التنمية المستدامة.
في قلب الثورة الصناعية الرابعة يتطور النظام التعليمي بطرق غير مسبوقة، فبينما هيمنت الأساليب التقليدية في السابق بدأت الأمور تتغير الآن حيث تُمزج التكنولوجيا مع التقنيات الكلاسيكية لتلبية الاحتياجات المتعددة الأوجه للمتعلمين اليوم؛ الصناعة 4.0 هي تحول اقتصادي نتيجة للعولمة المتزايدة والتقدم السريع في التكنولوجيا التي تشكل الطريقة التي نعيش ونتعلم ونعمل بها نتج عنها اتجاهات مثل:
• الأتمتة وصعود الوظائف المتوسطة والعالية المهارة.
• الأدوات الرقمية في مكان العمل والشراكة بين البشر وإنترنت الأشياء.
• العمل عن بعد، والقوى العاملة العالمية الموزعة، والتعاون عبر الإنترنت بين الثقافات.
• وظائف في مجالات التكنولوجيا الفائقة مثل علوم الكمبيوتر، والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).
وفي الاتجاه المقابل هناك تقادم وانتهاء صلاحية المعرفة والمهارات بشكل مستمر نتيجة للتسارع التكنولوجي؛ أصبح معه الاستعداد لا يفرضطلباً على الإبداع والتفكير النقدي وحل المشكلات والمهارات المتعلقة بتطوير واستخدام التكنولوجيا فحسب، بل هناك تركيز من ارباب العملعلى المهارات الشخصية والاجتماعية والعاطفية، وتشمل الأخيرة القدرة على التعاون والتنسيق والتواصل بشكل فعال مع الآخرين؛ لتزويد الطلاب بهذه المهارات يجب أن تتكيف: (1) المناهج؛ و(2) ممارساتواساليب التدريس لمواكبة الاحتياجات الاقتصادية للثورة الصناعية الرابعة، وهذا التكيف سُمي بالتعليم 4.0.
هذا يجبر أنظمة التعليم بما فيها تلك التي لازالت حائرة امام تصنيفات القرن الماضي للمهارات والمعارف الكلاسيكية: [المعرفة والفهم، المهارات الذهنية، المهارات المهنية والعملية، المهارات العامة]؛ ولا زالت تتوه في فلكها؛ التحول إلى مهارات التعليم 4.0 التي صنفت في ثلاث مجموعات أساسية:
• القدرات والمهارات.
• الاتجاهات والقيم.
• المعرفة والمعلومات.
ويركز التعليم 4.0 بشكل خاص على الفئتين الاولى والثانية؛ حيث تم توسيع كل واحده منهم إلى عشر مكونات فرعية بما يسهل دمجها في المناهج بصورة إجرائية؛ ومع ذلك فإن الأشكال التقليدية للمعرفة وطرق التعلم المرتبطة بها تعد أيضاً ذات قيمة، وستلعب دوراً في محتوى التدريس وطرقه في أنظمة التعليم.
كما يُحتم عليها من اجل الحفاظ على وجودها واستمرار كينونتها تطوير ممارسات واساليب تعليم تُوائم التعليم 4.0، مثل خوارزميات التعلم الشخصية، وفصول الواقع الافتراضي (VR)، والذكاء الاصطناعي(AI)، منصات التعلم التكيفية (AL)، ونماذج التعليم القائمة على الكفاءة، والشارات الرقمية…الخ، ويُحدد المنتدى الاقتصادي العالمي من خلال بحوث موسعة أربع من هذه الممارسات ربما ان الاقتصار عليها يساعد انظمة التعليم على عدم التشتت، ومن ثم يمكن لاحقاً للنظام ان ينمو من الداخل في تطويرها وفي تبني ممارسات واسعة بحسب مستوى نضج نماذج التعلم المختلفة بداخل النظام التعليمي:
• التعلم الشخصي والذاتي: يرتكز هذا النوع على فكرة أن احتياجات وقدرات المتعلمين ليست متماثلة، وبالتالي يسمح التخصيص (التعليم التكيفي) والتعلم الذاتي للطالب بالعمل من خلال المحتوى بالسرعة التي تناسبه والبناء نحو الإتقان والمعرفة الحقيقية واكتساب المهارات، وبعيدًا عن قيام المعلم بتخطيط تسلسلات التعلم الفردية لكل طالب تقدم التكنولوجيا الطريقة الواضحة لتحقيق ذلك من خلال المحتوى التكيفي، أو الاستفسار الذي يقوده الطلاب، أو موارد الفيديو لإتقان التعلم، او الذكاء الاصطناعي …الخ.
• التعلم سهل الوصول والشامل: يتيح فرص متساوية لجميع الطلاب الوصول اليه، فلم يعد يقتصر فيه التعلم على أولئك الذين يمكنهم الوصول إلى المباني المدرسية، بل نظام يمكن للجميع الوصول إليه؛تأخذ آلية التعلم هذه في الاعتبار قضايا مثل أساليب التعلم وطرق تقديم المحتوى delivery mood، وتعمل التكنولوجيا على تعزيز ذلك من خلال ميزات إمكانية الوصول والتخصيص بناءً على تفضيلات الطالب.
• التعلم القائم على حل المشكلات؛ والتعاوني: يعزز التعلم القائم على حل المشكلات الإبداع والابتكار؛ باستخدام التكنولوجيا يمكن للطلاب تخصيص مشاريعهم بدءاً من تسليم المحتوى القائم على العمليات وحتى تسليم المحتوى القائم على المشروعات وحل المشكلات، يتعاون الطلاب مع أقرانهم ويمكنهم الوصول إلى عدد لا حصر له من الموارد التي تدفعهم إلى استخدام استراتيجيات بحث فعالة، وفحص المعلومات والاستشهاد بمواردهم بشكل صحيح.
• التعلم مدى الحياة الذي يقوده الطالب بنفسه وفق احتياجاته: وبالعودة إلى الزيادة الهائلة في المعرفة وما يرتبط بها من تراجع في طول عمر المعرفة والمهارات، فإن العمل اليوم يتطلب أن نكون متعلمين مدى الحياة، وأن نكيف فهمنا للمفاهيم بشكل مستمر، وأن نطور مهارات جديدة جنبًا إلى جنب مع التقدم التكنولوجي، لتحقيق النجاح في هذه البيئة؛ يجب على الطلاب أن يتعلموا حب التعلم، وأن يتبنوا عقلية النمو.
وباختصار يكمن مستقبل التعليم في تمكين المتعلمين من تبني وتطوير صفاتهم الإنسانية الفريدة التي من غير المرجح أن تحل محلها التكنولوجيا، والتي نضجت خلال العشر السنوات الأخيرة، واتفقت عليهاادبيات اليونيسكو UNESCO، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، والمنتدى الاقتصادي العالمي WEF؛ وتعمل مؤسسات التعليمالعالي من خلال المناهج الدراسية والبرامج الأكاديمية وممارسات واساليب التدريس من تمكين المتعلم منها تقف على راسها مهارات:
• المواطنة العالمية.
• الابتكار والإبداع.
• التكنولوجيا.
• التعامل مع الآخرين.
أدى تطبيق أدوات وتقنيات الجودة التقليدية [إدارة الجودة الشاملة (TQM)، ونشر وظائف الجودة (QFD)، ومؤخراً Lean Six Sigma]، بهدف تحسين جودة الخدمة والعمليات إلى تحقيق العديد من الفوائد لمؤسسات التعليم العالي مثل خفض التكاليف، وتحسين الإنتاجية، وتبسيط العمليات، وزيادة رضا العملاء، ولكي تحافظ على فعاليتهايتنافس خبراء الجودة في تقديم أطر جودة تتكيف مع عالم جديد من التكنولوجيا العالية والابتكار وتعزيز الممارسات والعمليات المتعلقة بالجودة4.0 يتم فيها رقمنة مناهج وعمليات الجودة التقليدية وموائمتها مع متطلبات القدرات الناشئة للصناعة 4.0 من خلال التأكيد على المفاهيموالأساليب والعمليات الجديدة في التعليم 4.0.