كتاب أكاديميا

سوسن إبراهيم تكتب: انحراف الإعلام في شهر الإلتزام

     ها نحن على مشارف حلول شهر رمضان المبارك. شهر الخير والفضيلة. حيث يتسابق الناس لفعل الخيرات والتقرب الى الله لتعُم البركة أرجاء البلاد. وفي نفس الوقت يتسابق القائمون على الإعلام في إخراج وإنتاج البرامج “الرمضانية” التي لا يحلو مشاهدتها إلا في هذا الشهر الكريم كما يدّعي أصحاب العقول “التجارية” في هذا المجال. حيث نسب المشاهدة ترتفع بتهافت الجمهور للمسلسلات والبرامج الإعلامية التي تناسب أوقات فراغهم الطويلة أثناء الصيام. وخاصة عند تحلُق أفراد العائلة على موائد الإفطار وفي مجالس البيوت.

فقد حوّل الإعلام العربي شهر رمضان إلى “موسم” إعلامي بامتياز، زاخر بكل ما هو حصري وجديد ولكن بمحتويات مكررة عتيقة لا تنفك تعيد نفس القصص الدرامية في مشاهدها. ولهذا السبب يتميز الإعلام العربي بنموه الكمي فقط. فنرى أعداد البرامج التلفزيونية تتزايد عاما بعد عام ولكن بنفس الأفكار الرئيسية، التي لم تتغير محتوياتها إلا بأسماء “البطولة”.

بل تجد بعض البرامج التلفزيونية قد حرّفت التقاليد المجتمعية التي يتشبث بها أبناء المجتمع والتي تلون المجتمعات العربية بطابعها المحافظ والديني المتعارف عليها. ولكن الأدهى والأمر أن تُبث مشاهد لا تليق بحُرمة الشهر ولا بقدسيته ولا بروحانياته. 

ولذلك أصبح رمضان “الموسم الترفيهي” في كل عام بل وارتبط بشكل وثيق بكافة المواد الإعلامية الترفيهية “الفوازير” وغيرها من البرامج التي أصبحت ملاصقة لشهر الصيام. والتي تُعد وتُحضّر من بداية العام الميلادي من أجل هذا الشهر بالأخص، لتتعرف بجلاء على حقيقة الاستعداد الخفي وراء هذا الجهد المُضني ليخرج رمضان بصورته الحديثة منزوع القدسية والروح! 

وللأسف بكل عام يتم استغلال شهر العبادة للترويج لأفكار دخيلة على قيمنا، محرّضة على مجموع المبادئ التي يُطالب بها الاسلام والمفترض أن يعززها رمضان. حتى الأنشطة الرمضانية المعتادة تغيّرت وتخلف عنها فوج الصائمين كالتطوع والتهجّد – إلا من رحم ربي- واستُبدلت بالبرامج الفوازيرية والحوارية والتمثيلية حتى ارتبط رمضان بالنهم والكسل وابتعد عن معانيه السامية.

ولذلك وفي كل عام، ينحرف الإعلام في هذا الشهر بالذات لأسباب مادية وأخرى فكرية تهدف لنزع المشاعر المقدسة من نفوس الصائمين. فيحذرنا عز وجل في البيان “َاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا”.

لم يعد إعلامنا العربي يروج لمحتويات قيّمة هادفة بل أصبح يلفت انتباه الجمهور لجوانب هامشية بالحياة، وبالية تقوده لما تريد من أفكار منحرفة كما تُقاد الأنعام ل “مسالخها”.

الصيام ليس امتناعًا عن الطعام والشراب فقط بل هو صيام عن كل ما يُخالف عقائدنا ويُدنس مبادئنا، هو تدريب للنفس يُهيئنا لتحمل مصاعب الحياة ويُعلمنا كبح جماح رغباتنا. لذلك يُعد احترام هذا الشهر دليل على التقوى والفضيلة ووسيلة النجاة في عالم يضجُ بالفوضى والمأساة؛ “ومن يُعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”.

                            سوسن إبراهيم محمد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock