الدكتور تنوير عالم والدكتور منير حمدي :تحليل سلالات فيروس كورونا المستجد: ما الذي اكتشفناه في قطر؟
اعتبارًا من 26 يوليو 2020، سجلت دولة قطر ثاني أكبر عدد من المرضى المصابين بمرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الناجم عن المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة لفيروس (SARS-CoV-2) في الشرق الأوسط بعد المملكة العربية السعودية، مع تسجيلها لأكثر من 109,000 إصابة. وقد جرى الإبلاغ عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد في قطر بتاريخ 27 فبراير، وكان أول إجراء اتخذته الحكومة القطرية هو إجلاء جميع المواطنين القطريين من إيران. وبعد ذلك، وتمديدًا لخطواتها الاحترازية، فرضت قطر قيودًا مؤقتة على السفر إلى عدة وجهات دولية في منتصف مارس 2020. وفي تلك الأثناء، ونظرًا لشدة خطورة فيروس كوفيد-19، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تحول الفيروس إلى جائحة بتاريخ 12 مارس 2020.
السلالات الفيروسية لفيروس كوفيد-19
في الوقت الحالي، لا توجد أدوية مقاومة للفيروسات تظهر فعالية إكلينيكية مؤكدة، ولا أي لقاحات للوقاية منها (على الرغم من وجود لقاحات متعددة في مراحل مختلفة من التجارب السريرية). وتتعرض هذه الجهود لمعوقات بفعل المعرفة المحدودة لدينا بالتفاصيل الجزيئية والعلاقة التطورية بين سلالات فيروس كورونا المستجد. ولسد هذه الفجوة، أنتجت مختبرات مختلفة في جميع أنحاء العالم عددًا كبيرًا من التسلسلات للسلالات الفيروسية. واعتبارًا من شهر يوليو 2020، تم التعرف على أكثر من 75,000 تسلسل كامل عالي الجودة لفيروس كورونا المستجد يشمل أكثر من 2 مليار قاعدة تسلسلية لسلالات متعددة من هذا الفيروس التاجي الجديد. ولفهم تطور الفيروس وانتشاره في بلدان مختلفة من هذا المصدر الضخم للبيانات، استفاد بحثنا من تقنيات التعلم الآلي للتعرف على السلاسلة التمثيلية لفيروس كورونا المستجد.
ولهذا الغرض، قمنا بتحليل سلالات فيروس (SARS-CoV-2) من ما يقرب من 150 موقعًا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مواقع متعددة في الصين. وعادةً ما تُستخدم الأساليب القائمة على المواءمة لفهم العلاقة القائمة بين السلالات الفيروسية عبر استنتاج التاريخ التطوري لتلك السلالات والعلاقات بين مجموعات الكائنات الحية أو داخلها. ومع ذلك، فإن حساب علاقة النشوء والتطور استنادًا إلى التسلسل الجينومي مكلف حسابيًا ويتطلب وجود العديد من الذاكرات القوية. وبالتالي، تحظى الأساليب الخالية من المواءمات باهتمام المجتمع العلمي لمقارنة التسلسلات الفيروسية وكذلك لبناء علاقة النشوء والتطور. وفي إطار هذه الدراسة، تم إجراء تحليل جيني خالٍ من المواءمات للكشف عن العلاقة التطورية بين سلالات SARS-CoV-2 في جميع البلدان في العالم. وقد استفدنا من قوة تقنيات التعلم الآلي في التعرف على السلالة الأكثر تمثيلاً للفيروس من مواقع متعددة في جميع أنحاء العالم. وبناءً على سير العمل الحسابي لدينا، حددنا سلالة تمثيلية واحدة من كل موقع وبنينا شجرة النشوء والتطور لاكتشاف العلاقة التطورية بينهم.
النتائج في قطر
كشف تحليلنا أن السلالة التمثيلية في قطر تشبه إلى حد بعيد السلالات الأخرى الموجودة في مقاطعة غوانغدونغ في الصين، والفلبين، والهند. ورغم أن هذه الدول لا تشترك في حدود جغرافية مع قطر، إلا أن هناك العديد من الوافدين من الصين والفلبين والهند يقيمون في قطر. ورغم الإبلاغ عن أول حالة إصابة بالفيروس في قطر لشخص عائد من إيران، إلا أن الحالات اللاحقة ربما نشأت من تلك البلدان. وتشير شجرة النشوء والتطور التي رصدناها إلى أن السلالة التمثيلية لقطر قريبة جدًا من تلك الموجودة في إنجلترا، وهونغ كونغ، وويلز أيضًا. ومن المثير للاهتمام أن السلالات المكتشفة في دول الخليج الأخرى (المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وسلطنة عمان) كانت تنتمي لنفس الفرع في شجرة النشوء والتطور، ولكنها أثبتت أنها بعيدة تمامًا عن سلسلة السلالة التمثيلية لدولة قطر. وهذا أمر مفهوم لأن هذه الدول الخليجية تشترك في الحدود فيما بينها وهناك الكثير من التفاعل في الأنشطة اليومية لعامة الناس فيها؛ ولكن بسبب الخلاف الدبلوماسي، مُنع السفر من دولة قطر إلى العديد من تلك البلدان.
باختصار، فقد استفدنا من قوة تقنيات التعلم الآلي والأساليب الخالية من المواءمات لتحديد السلالة الفيروسية الأكثر تمثيلا للبلدان من مواقع متعددة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك دولة قطر. ويكشف تحليل النشوء والتطور عن علاقات مثيرة للاهتمام بين التوترات في جميع أنحاء العالم بما في ذلك دول الخليج. سيكون هناك ما يبرر إجراء المزيد من التحليل للسلالات المختارة في المستقبل القريب.