كتاب أكاديميا

أ. فيصل العارضي يكتب: كبير ولكني صغير في عين المجتمع والحكومة

في صغري كانت تروي لي والدتي – حفظها الله تعالى – قصصاً قبل النوم , فاستفدت من قصصها قيماً وحكماً رسخت في ذهني , فها أنا اليوم سأروي لكم واحدة منها , روت لي أن رجلاً فارساً ترك دياره ورحل يبحث عن ديارٍ غيرها , ولما ارتحل إلى قبيلة أخرى تنكر ولم يذكر شيئاً عن شخصيته، وقال لهم إن مهنته جلال (والجلال عند البدو هو من يجمع الروث) وفي يوم من الأيام هجم عليهم فرسان , فقالت امراة : من يرد القوم وقالت امراة أخرى : قم يا الجلال (الفارس المتنكر) ليروا هيئة رجل استحقاراً له , فركب الفرس مقلوباً ولما ابتعد عن انظارهم اعتدل , فكلما قتل فارساً ملأ يده بالدم ثم وضعها على الإبل لتبقى يداه على الإبل حتى رد جميع الإبل دون أن يعلم أحد من الذي رد الإبل , فقال شيخ القبيلة : من الفارس الذي رد الإبل ؟ فكل فارس قال انا من رد الإبل , فقال الشيخ كل فارس يضع يده على الإبل لنعرف من الذي رد الإبل , فلما انتهى الرجال بقي الجلال فعندما أراد أن يضع يده قال :

“سموني الجلال واسمي محمد

وشبري على شبر الرجال يزود”

نستفيد من القصة أن هناك رجالاً يصنعون التاريخ وهم مجهولون , فهذا فارسنا محمد صنع حدثاً في رده لأرزاق قومٍ يجهلونه , فكم من مجهول لدينا لم نعطه حقه وهو له فضل علينا ؟؟, فاعلم أن الأمم لا يبنيها إلا أصحاب القيم ألا وهم المعلمون , فصناعة التاريخ تبدأ من الغرف الصفيَّة , وهي الغرف الولاَّدة التي احتقروها بعد أن اجتازوها , وللأسف إن المجتمع يزهد في العلم والعلماء , ويزهد في المعلم ورسالته السامية , فها هو الشباب لا يريد أن يصبح معلماً , ومن أصبح معلماً لم تكن إرادته ابتداءً , ومن عمل بها يبحث عن غيرها , ومن العجب العجاب أننا في الأمس ننادي بتوقير المعلمين , وأما اليوم فننادي بأن يكفوا شرهم عن المعلمين , وصدق من قال إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فعليك بهدم الأسرة وهدم التعليم وإسقاط القدوات , فلا زلنا نسمع عن ضرب معلم حتى تعودنا عليها ,  فمتى يبدل الله من حال إلى حال ؟

اعلم أخي المعلم أنك لن تصل إلى تقدير الآخرين لك إلا إذا جعلت التعليم رسالة تسعى إلى توصيلها , وقيمة تسعى لغرسها وليس مهنة تنتظر مردودها , ألم يإِنِ الأوانُ للمسألة الوقارية وأن ذات المعلم مصونة ؟

فلماذا لا يكون المعلم مختصاً في التعليم فقط بعيد عن الأعمال الإدارية ؟

ولماذا لا يعطى المعلم جواز سفر خاص احتراماً لعمله ؟

ولماذا لا تشدد العقوبة على من يتعدى عليه ؟

ولماذا لا يكون له طريقة خاصة في تخليص معاملاته ؟

ولماذا لا يكون هناك تأمين صحي للمعلم ؟

ولماذا لا يكون له مميزات تميزه عن الوظائف ؟

ولماذا ؟؟؟ ولماذا ؟؟؟ ولماذا ؟؟؟ ولا زلنا ننتظر من يقدر هذا العمل .

للأسف إن مهنة التعليم ذات مميزات معدودة , بخلاف التعليم في ألمانيا  فقد وصل الحال هناك بأنَّ القضاة يطلبون مساواتهم بالمعلمين فردت أنجيلا ميركل : “كيف أساويكم بمن علموكم ؟” , وللعلم لا أريد العطاء دون ثمن من المعلمين لهذا العطاء   .

معلمي كفاك فخراً أنك أنت من تبني العقول , وكفاك أنك من علم القراءة والأصول , وكفاك أنك أنت وريث الأنبياء والرسول , وكفاك أن لم يكن هناك أمير ولا وزير ولا مهندس ولا دكتور إلا وجلس أمامك , وكفاك أن النبي صلى الله عليه وسلم نادراً ما يدعوا على أحد إلا رِعْلٍ وَذَكْوَانَ فقد مكث شهراً يدعوا عليهم لأنهم قتلوا أهل العلم , مما يدل على توقيره صلى الله عليه وسلم لأهل العلم , فهنيئاً لك هذا التوقير من خير البرية .

ما ضر شمس الضحى في الأفق ساطعة

أن لا يرى نورها من ليس ذا بصر

بقلم : أ. فيصل ملفي العارضي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock