محمد السداني تكتب: حالة من الفوضى العارمة تسيطر على المجتمع التربوي
عندما أشرع في كتابة مقال عن التعليم ينتابني قلق شديد وحيرة لا آخر لها، فأنا أكتب وأبذل جهدا من أجل موضوع أعلم جيدا أنه لن يلقى أيَّ اهتمام من قبل المسؤولين عن هذا القطاع، ولكنِّي أستفزُ يوميا وأنا أشاهد وأرى وأسمع الأخبار التي يتعرض لها الزملاء يوميا في الحقل التربوي من جميع عناصر المجتمع، فتارة يدخل أحد أفراد الأمن ماسكا بالمدير من ملابسه مهددا إياه بالإهانة والتنكيل، وتارة يعتدي ولي أمر على مدير مساعد آخر؛ لأنَّه يطبق القانون، وآخر يشتم معلمة ويتهجم عليها لأنَّها تطالب الأسرة بالاهتمام بأبنائها.
حالة من الفوضى العارمة التي تسيطر على المجتمع التربوي، في ظل غياب كامل لقانون يحمي هذا المُعلم المهان – صباح مساء- فأي قيمة تربوية تريدون من عنصر يبني أبناءكم علميا ونفسيا وجسديا وأخلاقيا، وهو قلق في كل تصرف داخل مدرسته، ويصح أن يطلق عليه بالعامية الكويتية – طوفه هبيطة – فلا قيمة لهذا الشخص الذي يكدح في المدرسة وهو يتحمل أعباء ليست من صلب عمله ولا من صميم تخصصه، وأنَّ الوزارة في كل شاردة وواردة تلقي باللوم عليه في أي خطأ، بل وتتحين الفرصة لكي تتصيد عليه أيَّ خطأ لتبين للجميع أنها صارمة في حماية أبناء المجتمع من الطلاب والطالبات، أما في حماية المعلم والدفاع عن حقوقه وكرامته فهي تقف موقف القرود الثلاثة: لا أسمع لا أرى لا أتكلم.
لا بدَّ على المجتمع أن يعي أمرا مهما، وهو أنَّ التعليم ليس منهجا ومدرسة وجرسا وسبورة، إنَّ التعليم بناء سلوك أفراد المجتمع والذي سيرسم شكل المجتمع وصورته أمام العالم، فالمجتمعات التي تعتدي على معلميها وتنجح بالغش والقفز على القوانين هي مجتمعات مستنقعية.
إذا أردنا أن نكون كالغرب نظاماً ونظافة وقيماً وسلوكاً يجب أن نفعل ذلك من خلال أسوار المدرسة، يجب أن يكون التعليم هو السبيل الوحيد لضبط سلوكيات أبنائنا، فكل مشاكل المجتمع هي مخرجات هذا السور، فإذا ضُبط التعليم ضبطت أفكارنا وصرنا متصالحين مع أنفسنا، وإذا ضُبط التعليم صرنا أكثر التزاما بقوانين المرور ووفرنا ملايين الدنانير التي تصرف بسبب الازدحام والحوادث المرورية، وإذا ضبطنا التعليم سنكون أكثر اهتماما بأوطاننا بدلا من الهروب إلى ذواتنا وتنمية روح القبيلة والعائلة والطائفة.
خارج النص:
التقيت أحد زملاء الدراسة وهو يقود سيارة تقدر قيمتها بأكثر من خمسين ألف دينار، فقلت: ما شاء الله التجارة عاملة عمايلها، فقال: الحمدلله أنني لم أدرس ولم أجتهد مثلك لأصبح معلما! فسألته: ما سبب هذا الخير كله؟ فقال لي: فتحت مطعما أبيع فيه الشاورما. فقلت له متعجبا: شاورما! فقال: لا أحد أحسن من أحد، أنت مُعلِّم لغة عربية بسيارة عمرها أكثر من سبع سنوات، وأنا مَعلِّم شاورما وأملك بيتا في منطقة داخلية وسيارة تساوي مكافأة نهاية خدمة بعد 35 عاما… فضحكت وتذكرت هذا الأرعن وشخصيته التي لم تكن لتصلح إلا ليكون أي شيء إلا أن يكون معلما، وأستطيع القول إنَّ المجتمع يحترم هذا الشخص أكثر من احترامه للمعلم المدرسي الحقيقي، فلم نسمع يوما ما أن أحداً اعتدى على معلم شاورما لأي سبب.