أ.د. لطيفة الكندري تكتب :الأسرة والفضاء السيبراني
استضافت إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أ.د لطيفة حسين الكندري ضمن برنامجها الصيفي بعنوان “صيفنا كالغيث”. جاء موضوع المحاضرة تحت عنوان “الأسرة والفضاء السيبراني” وكان اللقاء عبر منصة زوم. هدفت المحاضرة التثقيفية إلى التعريف بأهم المقالات والدراسات التي قامت الدكتورة لطيفة بإصدارها في مجال أصول التربية الأسرية ذات الصلة بالعالم السيبراني. وبينت د. الكندري أن الغرض الأساسي من هذه الجهود الإعلامية تنمية الوعي العام عبر استعراض موثق للاتجاهات الموجبة والسالبة لوسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني في مسيرة الأسرة، كما تهدف في الوقت ذاته إلى تشجيع جميع الجهود الداعمة لاستثمار التكنولوجيا الرقمية والبيانات الضخمة في تعزيز الروابط الأسرية.
إن الأسرة من أعظم مصادر البقاء والنماء والابتهاج في عالمنا وحماية أمنها خطوة حاسمة لتنمية النسيج المجتمعي بل لتحسين الأوضاع العالمية وتطوير نمط المعيشة الإنسانية. يقول الحكيم الصيني كونفوشيوس “إذا قام البيت على أساس سليم أمن العالم وسلم”. ومن أجل ذلك ينبغي أن تتلاءم التقنية الرقمية مع مضامين الأصول النفسية والاجتماعية للأسرة وتخدم وظائفها وترسخ خصائصها العاطفية والإيمانية والصحية والاجتماعية.
تناولت الكندري في اللقاء مواضيع شتى مرتبطة بمسيرة الأسرة وتداعيات الفضاء السيبراني من مثل الطفل واستخدام شاشة التواصل، دعائم تنمية العاطفة الاجتماعية، حماية الأطفال الكترونيا، الإتكيت الإلكتروني، النرجسية الإلكترونية “العُجب بالنفس والتكبر” وسبل تفاديها، القدوة في العصر الرقمي، الحوارات الأسرية، الأطفال ومصيدة الغرائز الجنسية، الخطوات الإجرائية في تحقيق السلوك الأسري المتوازن في الفضاء الإلكتروني.
وذكرت الكندري أن شبكات الإنترنت ذات قوة هائلة ومتنامية ولهذا فإن سوء استخدامها يمنع التكيف ويؤثر على أخلاقيات جميع أفراد الأسرة. وهكذا فإن من خواص العصر الحديث انتشار قنوات التواصل الاجتماعي الإلكتروني بصورة متصاعدة، واكتساح الأجهزة الرقمية المتطورة حتى اقتحمت البيوت في معظم أنحاء العالم وأخذت في تشكيل كثير من خصوصياتنا.
وبينت الكندري أنه من أجل تحقيق وعي ديني وخلقي وتقني أفضل يُعين على الإسهام الفاعل في تطوير المهارات الحياتية ورفع الكفاءة الاجتماعية يجب استعراض مجموعة من الأصول والضوابط والارشادات والمعايير الأخلاقية المستمدة من مبادئ التربية الإسلامية السمحة من جهة، وبيان معطيات الدراسات الحديثة والخبرات الإنسانية المتدفقة من جهة أخرى.
إن الوسائط الاجتماعية الإلكترونية وسيلة ميسرة، وذات جودة عالية، ومتاحة لمعظم الناس فينشرون ويستقبلون يوميا العديد من المعلومات والابداعات على شبكة الانترنت بطريقة تفاعلية (الصوت، والصورة الثابتة والمتحركة، والأرقام، والخرائط، والأشكال، والرسومات والكلمة المكتوبة). وبما أن الإنسان كائن اجتماعي بالطبع فإن التربية عملية دائمة لملاحقة تطورات الحياة، وتحسين أنماط المعيشة، والتوافق مع متطلباتها الجديدة، ودعم جميع الجهود الرامية إلى تحقيق قدر أكبر من السعادة الإنسانية.
وأضافت الكندري في عصر الاتصالات التقنية الغنية بالوسائط التعليمية والثقافية دخلنا الفضاء السيبراني (Cyber Space) الذي يتوسع ويتمدد بثبات في كل ثانيه دون أدنى مبالغة. إنه عصر مذهل يشهد تقدما نوعيا وكميا وهو زمن له خصائصه الواضحة، ونقائصه الفاضحة. وبالتوازي مع ذلك، اقتحمت التكنولوجيات الرقمية وكاميرات الويب وغيرها حياتنا اليومية، وأثرت على آدابنا العائلية بشتى الطرق، وبشكل غير مسبوق. إنها تربطنا بسلاسة ببيئات عنكبوتية في أحشائها شبكات جاذبة تتضخم باستمرار وتؤثر في مسار بلايين البشر يوميا. نعيش في عصر شاع فيه استخدام الحاسوب، والتابلت، والواي فاي، والواتس أب، والفيسبوك، والتويتر، والانستغرام، والتيلغرام، والسناب شات، ومنتديات الويب. وأكدت د. الكندري لقد أصبح الهاتف النقال والغلاف المعلوماتي ظلا لا يفارقنا إلى أن يحين وقت النوم في غالب الأحوال. هذا الوضع الإنساني الجديد يزدادا حضورا وتناقضا وقوة على النطاق العالمي خاصة إذا أضفنا برامج الألعاب التفاعلية التي تثير القلق والمخاوف، ويتطلب الأمر أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر من المعوقات المتوقعة.
من الأهمية بمكان الدعوة للتفكر في واقعنا ومناقشة الاتجاهات والاعتبارات ذات الصلة، ويقودنا هذا التفكر إلى تحليل المشهد الاجتماعي بمنظار نقدي، ومراجعة حدود التعامل العائلي المجدي مع الآلات في حياتنا اليومية بحيث تصبح الشبكات العنكبوتية سندا لنا لا قيدا يكبل نطاق حركتنا. ومن الوجهة التربوية التطبيقية يتعين علينا وضع منهجيات إجرائية للتحكم بالذات، وتدعيم مفهوم القدوة الإلكترونية، وتوجيه الأسرة وفقا لمحددات كفيلة بالارتقاء بمستوى الاتصال الاجتماعي الإيجابي، والتفكير المنطقي المنتج، وتغذية غريزة الإحساس بنعمة الأسرة شكرا وحمدا لله سبحانه من جانب، وحماية لهذه النعمة العظيمة من آفات المشتتات العصرية من جانب آخر.
وفي نهاية اللقاء شكرت د. لطيفة الكندري العاملين في إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن الكريم لمحافظتي الفروانية والجهراء على جهودهم الطيبة في نشر الوعي والقيم الإسلامية النبيلة في استخدام قنوات التواصل الاجتماعي وحماية الأسرة التي تشكل الدعامة الأولى في عملية بناء المجتمع.
بقلم/أ.د. لطيفة حسين الكندري