الاسرة نقطة البداية للمستقبل | بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
عندما نقول أن العقل السليم فى الجسم السليم فنحن هنا لا نتحدث عن الغذاء الصحى للجسد وتأثيره على تنشيط خلايا المخ من الناحية الفسيولوجية فحسب ولكن هناك أيضا غذاء آخر للروح التى تسكن الجسد والذى لا يقل أهمية عن الطعام والشراب ألا وهو غذاء المعرفة .
والمعرفة أو الثقافة هى قاعدة البيانات التى يتم فيها تخزين ما تم إكتسابه من معلومات وتجارب حياتية تشكل الوعى لدى صاحبها ومن هنا تظهر أهمية الإهتمام بالنشء ومراقبة ما يتم تداوله مجتمعياً من توجهات فكرية ليس بغرض السيطرة والتحكم ولكن بهدف تصحيح المسار وتوجيه النشء الإتجاه الصحيح لينطلقوا فى فضاء الإنفتاح والإبداع وتبادل المعلومات والخبرات التى تؤتى ثمارها على الوطن مستقبلاً بشكل رائع .
لذلك نجد أن الأمم العظيمة هى الأمم التى لا تهتم بعددها ولا تريد أن تبقى كتجمعات بشرية تشغل حيزاً من الفراغ تجيد فنون الأكل والنوم ، ولكن الأمة العظيمة هى الأمة التى قررت أن لا تبقى هى كما هى ولكن أن تبقى هى ككيان مبدع نشط متحفز للتغيير نحو الأفضل ، هى الأمة التى تقدس قيمة الوقت وتصلح بإستمرار من عيوبها بفلاتر الوعى وحب الوطن والإنتماء الحقيقى له ، الأمة العظيمة هى الأمة التى لا تدفن رأسها فى رمال صحراء الجهل والعنصرية والتخلف عن كل ما هو حضارى وحداثى متخلية بإرادتها عن التنافس فى إضافة كل ما هو جديد لخدمة البشرية ، لذا نعود لنقطة البداية فى مقالنا عن المعرفة وهى غذاء الروح والوعى والوجدان ونتسائل .. هل الإهتمام بتوعية النشء فقط يكفى لغرس حب المعرفة والقراءة والموسيقى والبحث العلمى فى نفوس أجيال المستقبل ؟! ..
الحقيقة أنا لا أرى فى ذلك إلا أنه حرثٌ فى بحر لن يؤتى بنتيجة مأمولة طالما أن الآباء يخاصمون هذا التوجه فى تربية أبنائهم على حب القراءة والمعرفة وإعمال ملكات العقل وذلك لأن فاقد الشئ لن يعطيه ، وأن منظومة التعليم لا تزال قائمة على الحفظ والتلقين ، فهى مسئولية مشتركة بين الحكومة والأسرة ولا ذنب للصغار لأنهم سيشيبون على ما شبَُوا عليه ، ومن البديهى أن المعرفة والثقافة فى أى مجتمع علاقات إثنية متعددة أهمها .. الآباء/ الأبناء (كافة مراحل الحياة ) .. المُعلم / التلميذ أوالطالب ( كافة مراحل التعليم ) .. الإعلاميين / المشاهدين والمستمعين والقراء (الخطاب الإعلامى العام والخاص ) … أئمة المساجد والدعاة / المصلين ومريدى دروس المسجد (خطبة الجمعة والمحاضرات الدينية بعد التسليم من الصلاة) …
هنا نجد أن وضع خطة للنهوض بأى مجتمع معرفياً لا بد وأنها تبدأ بتوعية الآباء أولاً بحكم الملازمة والمتابعة الدقيقة وأهمية تثقيفهم حتى لا تكون الأسرة فى أقصى اليمين أو أقصى اليسار أو لا تعرف يميناً من يساراً .. لذلك أرجو أن نعى ذلك جيداً أن أى محاولة للإهتمام بتوعية أطفالنا وشبابنا بدون الإهتمام أيضاً بتوعية الآباء بمحاضرات دائمة عن أساليب التربية السليمة لن تجدى نفعاً ، لأن تأثير الآباء على أبنائهم يتخطى بمراحل أى محاولة تغيير خارج جدران المنزل لأن نقطة البدايةهى الأسرة.