كتاب أكاديميا

الحكمة: الوجه المكمل لمخرجات التعلم الجامعي

sjjfjted

في الآونة الأخيرة، تزايد اهتمام أعضاء المجتمع بالسؤال عن مخرجات التعلم التي يكتسبها الطلاب في المرحلة الجامعية. وبينما ارتفعت بعض الأصوات بالسؤال عن الخبرات التعليمية التي يحصل عليها الطلاب، فقد استجاب التعليم الجامعي بزيادة الاهتمام بمحاولة فهم محصلة مخرجات تعلم طلاب الجامعة داخل وخارج الجامعة. وفي هذا السياق اقتُرحت “الحكمة” كأحد المفاهيم المركبة التي يمكن أن تعكس محصلة لمخرجات التعلم المتكاملة لطلاب الجامعة.

وتعد الحكمة أحد مفاهيم علم النفس الإيجابي التي اكتسبت اهتماماً متزايداً في مجالات التطور والتربية وعلم النفس. وتحمل أدبيات البحث في مجال الحكمة الكثير من أوجه الشبه الثرية مع أدبيات البحث في التعلم داخل الكليات والجامعات، والكثير من النتائج المرتبطة عادة بالتعليم العالي. وتشير بعض الأعمال التجريبية أنَّ العديد من لبنات الحكمة الهامة تنبثق خلال مرحلتي المراهقة والشباب، وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون طلاب الجامعة قد حققوا مستويات عالية من الحكمة، فإن تطور الحكمة كمتصل يتوزع عليه جميع الأفراد، بمن فيهم طلاب الجامعات.

فالترميز المتميز للخبرات قد يسهل نمو الحكمة أثناء الدراسة بالجامعة من خلال تسهيل تطوير قاعدة معرفية أساسية خلال هذه الفترة الزمنية. ومن حيث الأداء النفسي للشخصية الحكيمة، هناك ثلاثة جوانب ينبغي أن تتكامل في هذا السياق: (أ) بصيرة عميقة وواسعة عن الذات والآخرين والعالم، (ب) تنظيم العاطفة المعقدة وما يتطلبه ذلك من تسامح مع الغموض، (ج) التوجه الدفعي الذي يتجاوز المصالح الذاتية واستثمارها في رفاه الآخرين والعالم.

وعادة ما تعبر الحكمة عن خاصية فردية تنشأ عن علاقة تكاملية بين خصائص متنوعة أكثر من كونها تعزى إلى خاصية واحدة. هذه الخصائص تشمل قدرات عقلية، وخصائص شخصية، وقدرات متداخلة بين الشخصية والمعرفة. وقد ييسر نمو القدرات العقلية تطور الحكمة من خلال السماح بدمج جوانب أو أنواع مختلفة من المعارف، ومن خلال تسهيل نمو الفهم الاستثنائي والقدرة على إصدار الأحكام.

ولكن هل الحكمة مكون منفصل عن الذكاء؟. أشارت معظم البيانات التي تم التوصل إليها من خلال استطلاعات الرأي والمقابلات الشخصية إلى أن الأفراد ينظرون إلى الحكمة كمكون منفصل، يتداخل مع الذكاء، لكنه يختلف عنه. فالذكاء والإبداع يُعنيان بالجوانب المعرفية (الذهنية) في المقام الأول بينما تهتم الحكمة بالجوانب المعرفية والوجدانية والمنظور الشامل للمعرفة بالإضافة إلى التوجه والالتزام الأخلاقي فيها. إن التفكير الحكيم يتضمن القدرة على استخدام كلٍّ من معرفة الفرد وذكائه وقدرته على الإبداع في سبيل تحقيق الصالح العام وهذا بتحقيق التوازن بين منفعة الفرد الشخصية ومنفعة الآخرين والمجتمع بأكمله من خلال تبني قيم أخلاقية على المدى القصير والطويل.

إن طلابنا في حاجة إلى تنمية مهاراتهم في التفكير القائم على الحكمة، فجميعنا نواجه في الحياة اليومية مشكلات صعبة ومعنى أن تكون ناجحاً في الحياة هو أن تكون قادراً على حل المشكلات اليومية الصعبة والمحيرة، ولذلك فينبغي لنا أن نوظف حكمتنا لاتخاذ القرار الصحيح.

أسباب اهتمامنا بتدريس الحكمة للطلاب:

· المعرفة بمفردها لا تحقق للفرد الحكمة ولا تضمن الشعور بالرضا والسعادة حيث إن الحكمة هي الوسيلة للوصول إلى هذا الهدف.

· الحكمة هي الوسيلة التي يستطيع الفرد من خلالها أن يصدر أحكاماً بوعي وتدبر معتمداً على قيم تتسم بالفطنة وتستند على تفكير عميق. فالشخص لا يمكن أن يكون حكيماً ومندفعاً أو غير عقلاني في نفس الوقت في إصدار أحكامه.

· الحكمة هي الطريق إلى صنع عالم أفضل وأكثر انسجاماً، فرموز الديكتاتورية كانوا على قدر من المعرفة والقدرة على التفكير الناقد فيما يخص الحفاظ على سلطتهم على الأقل، ولكن مع الأخذ في الاعتبار تعريف الحكمة، يصبح من الصعب أن نصفهم بالحكماء.

· الطلاب الذين قد يصبحون آباء وقادة في المستقبل هم جزء من مجتمع أكبر ومن ثم سيستفيدون من تعلم كيف يصدرون أحكاماً صحيحة ومناسبة وعادلة تكون في صالح مجتمعهم.

تعليم الحكمة لا يتم من خلال مجرد إخبار الطلاب معلومات عن الحكمة بل من خلال مساعدتهم على الانخراط النشط في عملية اتخاذ القرار الحكيم، ولتحقيق هذا الهدف، يمكن للمعلمين أن يقوموا بتدعيم تنمية الحكمة لدى الطلاب وأن يقوموا بإجراء دراسات حالة لمساعدة الطلاب على تنمية حكمتهم ولكن ليس من المفروض الإكتفاء بتدريس سياقات معينة للطلاب أو إخبارهم نظرياً بما يفعلون أو لا يفعلون.

خطوط إرشادية عامة لتدريس الحكمة:

· تشجيع الطلاب على قراءة المؤلفات الكلاسيكية في الأدب والفلسفة ليتعلموا ويتأملوا حكمة الحكماء.

· إشراك الطلاب في المناقشات وأداء المشروعات وكتابة المقالات التي تشجعهم على مناقشة الدروس المتعلمة من دراسة هذه المؤلفات وكيفية تطبيقها عملياً في حياتهم وحياة الآخرين مع التأكيد بشكل خاص على التفكير القائم على الحوار والتفكير الجدلي.

· تشجيع الطلاب على عدم الاكتفاء بدراسة “الحقيقة” فقط، بل وأيضاً القيم التي تنمي لديهم أثناء قيامهم بالتفكير التأملي.

· التأكيد على التفكير العملي والإبداعي والناقد وتوظيف كلاً منهم لخدمة الصالح العام.

· تشجيع الطلاب على التفكير في حقيقة أن أي موضوع يقومون بدراسته يمكن استخدامه لتحقيق غايات جيدة أو سيئة، وأنه من المهم أن يأخذوا في اعتبارهم نوع هذه الغايات (من حيث كونها جيدة أو سيئة).

· تذكر أنك كمعلم تلعب دور القدوة. ولتكون قدوة لطلابك في الحكمة، عليك أن تتبنى طريقة سقراط في التدريس، وهي أن تدعو طلابك إلى أن يكون لهم دور نشط في عملية تعلمهم، وذلك بالاستناد على وجهة نظرهم الشخصية ووجهات نظر الآخرين.

وأخيرا، يمكن القول إنَّ الحكمة هي أعلى أشكال النمو الإنساني، وأن بلوغ هذه المرحلة النهائية يتطلب النمو المستمر في النواحي العقلية والاجتماعية والعاطفية والأخلاقية، كما تتطلب قدرا من التكامل بين الأبعاد العقلية والوجدانية والأخلاقية، وإلماماً بمعارف تقريرية وإجرائية وسياقية، وقدر كبير من النسبية، وعدم اليقين، وأن النمو في الحكمة يحدث على مدار الحياة، وإن كانت مرحلتي المراهقة والشباب تعد حاسمة في تطور لبنات الحكمة الأساسية.

.

د. علاء أيوب

أستاذ القياس والتقويم المشارك

المركز الوطني لأبحاث الموهبة والإبداع – جامعة الملك فيصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock