كتاب أكاديميا

عمرو ربيع يكتب : إنما العلم بالشهادات!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم» رواه الطبراني.

قديمًا، في أزهى أوقات التقدم للمسلمين ولغير المسلمين وفي عصور الاختراعات والاكتشافات وفي غمرة الزهو الديني والتفوق في علوم الشريعة، لم نسمع أن الإمام مالكًا مثلًا كان متخرجًا في كلية الأزهر! أو أن أبا بكرٍ الرازي تخرج في كلية الطب بجامعة عين شمس! بل إنه درس بجوار الطب، الرياضيات والفلك والمنطق والأدب!

هؤلاء العلماء جميعًا تتلمذوا على أيدي علماء آخرين، حتى تعلموا العلم وفهموه، ثم بدأ كل واحد منهم في ممارسة هذا العلم والإضافة إليه وترك أثره لمن بعده، لماذا إذن اليوم نحتكر ممارسة المهن والوظائف على خريجي الكليات المختصة فقط؟! أو لنقل بمعنى أصح نحتكرها بمجرد ورقة نسميها «شهادة التخرج»!

نضرب مثالين للتوضيح

المثال الأول

(أ) هو شخص متخرج في كلية الآداب، ذهب إلى أحد المكاتب الهندسية لتعلم الهندسة وجلس يتعلم من أستاذ الهندسة لمدة عامين إلى أن أتقن تخصص التصميم الإنشائي مثلًا، أكاد أجزم بصفتي مهندسًا أنه سيمارس الهندسة دون أدنى مشكلة باستثناء أنه لا يملك شهادة تخرج تثبت أنه مهندس!

طالب الهندسة لم يدرس تخصص التصميم الإنشائي طوال خَمس سنوات الجامعة، ولو أراد لكفته سنتان على الأكثر! ومعظمنا – إن لم يكن جميعنا – يعلم جيدًا الفجوة الضخمة بين الدراسة في الكليات وبين سوق العمل، ونعلم كذلك أن الطالب بحاجة ماسة إلى العديد من الدورات التدريبية في مجال عمله حتى يستطيع دخول سوق العمل، وعلى الرغم من ذلك فإن (ج) – مهندس – لن يتقبل أن يمارس (أ) مهنة الهندسة حتى ولو لم يطلق على نفسه مهندسًا.
نحن نرفض ذلك بجملة شهيرة جدًا «هو أنا أتعب 5 سنين في الكلية لحد ما يبقى اسمي مهندس وهو خريج آداب هيشتغل مهندس!».

وقس على ذلك الطبيب والصيدلي، خريج كلية الفنون الجميلة والمهندس المعماري… إلخ.

المثال الثاني

(ب) هو شخص متخرج في كلية الطب، أنهى دراسته التعليمية بتقدير «مقبول»، عمل ثلاث سنوات في مجال الطب ثم قام بافتتاح شركة خاصة به لتصنيع بعض المستلزمات الطبية.

أحد أصدقاء (ب)، وهو خريج كلية التجارة، يرى أن ما فعله (ب) لا يصح لأنه لم يدرس إدارة الأعمال ولا تأسيس الشركات ولا الإدارة المالية ولا حتى مجرد أساسيات لعلم الإدارة في كليته، لكن (ج) يرى أنه لا مانع من ذلك فالإدارة من العلوم الإنسانية التي يمكن لأي شخص تعلمها وممارستها أو حتى ممارستها دون تعلمها.

في الحقيقة

(أ) هو كل شخص لديه موهبة وحب لمجال ولا يستطيع ممارسته بسبب عدم قدرته على دخول الجامعة التي يريدها حيث إن مجموعه في الثانوية العامة لم يسمح له بذلك.
(ب) هم خريجو كليات القمة – كما نسميها – أو غيرها، الذين يحتكرون المناصب والوظائف والمسميات على أنفسهم لمجرد تخرجهم في كليات صعبة!
(ج) هو المجتمع الذي يكيل بمكيالين.

هل تعلم سرًّا؟

العلمُ في حقيقته يكون بالتعلم والتتلمذ والممارسة على أيدِي متخصصين، وليس بمجرد «شهادة تخرج» أو السنين التي قضيتها في الكلية تتعلم حشوًا لا تعلم لماذا تتعلمه أصلًا!

لماذا لا ننظر نفس النظرة حين نرى طبيبًا أو مهندسًا قام بافتتاح شركة على الرغم من أنه لم يدرس إدارة، لماذا لا ننظر نفس النظرة للمذيعين الذين لم يمروا على كلية الإعلام، لماذا لا ننظر نفس النظرة للممثلين الذين لم يدرسوا أي كلمة تخص مجال الفن والمسرح، إننا حتى لا ننظر نفس النظرة للكُتّاب الذين لم يتخرجوا في كلية الآداب مثلًا، ثم لماذا يمكن لشخص أن يتعلم البرمجة ويمارسها كـ«free lancer» في الوقت الذي لدينا فيه كلية تسمى «كلية الحاسبات والمعلومات»؟!

نحن فقط نقول «إنهم موهوبون».

لماذا نرى بعض المهن مواهب وقدرات، ونرى الكليات العلمية دراسة وجامعات؟

تخيل معي لو أن نظام التعليم لدينا سمح لكل من يحب مجالًا أن يدرسه على أيدي المختصين، قد تجد أن الطالب الذي لم يستطع دخول كلية الطب بسبب مرضه قبل امتحان الكيمياء قد فاق الطالب الذي دخل كلية الطب لأنه استطاع الغش من زميله في حال دراستهما لنفس المناهج التعليمية.

أتمنى أن نلغي صنم الألقاب من تفكيرنا، وأن نكف عن رؤية الطبيب والمهندس والصيدلي وغيرهم أعلى من غيرهم من خريجي الكليات الأدبية!
أيها السادة؛ «إنما العلم بالتعلم» وليس بالشهادات والكليات والأوراق، ومن حق من يتعلم علمًا أن يمارسه، ما لم يكن عربيًّا!
المصدر: ساسة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock