التطبيقي في دار ولاء | كتب: أ. د. عبداللطيف بن نخي
في الأسبوع الماضي وصلتني دعوة لحضور ندوة في دار ولاء بعنوان «هل يطيح فساد التطبيقي بوزير التربية والتعليم العالي»، شارك فيها كل من النائب الدكتور خليل أبل والدكتور أحمد الأثري – مدير عام الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب – والدكتور بدر الخضري الاستاذ المشارك في كلية التربية الأساسية. رغم خصوصية الندوة لرجاحة تحولها إلى مناظرة، إلا أنني أبلغت الداعي بأن حضوري مستبعد بسبب انشغالي بأكثر من ملف، من بينها تجديد الاعتماد الأكاديمي لأحد برامج الدبلوم الهندسية في كلية الدراسات التكنولوجية.
بالفعل الندوة كانت متميزة وكان لها صدى إعلامي واسع، حيث انتشرت في وسائل التواصل مقاطع من كلمات المشاركين، ووصلت إلينا عبر رسائل «واتسابية» أو تسجيلات صوتية تقييمات بعض المنظمين والحضور على أداء المشاركين، ما دفعني إلى مشاهدة مجريات الندوة على الإنترنت، ولكن على مراحل في الأيام التالية.
رغم استحساني للندوة من حيث المبدأ، إلا أنني تمنيت لو أن أحد المعقبين من الحضور أثار – قبل نهاية الندوة – تساؤلات مشروعة من بينها: ماذا بعد الندوة؟ كيف نستطيع أن نتعاون من أجل دفع عجلة الإصلاح في التطبيقي؟ كيف نضمن تكليف الأكفاء للمناصب الاشرافية – بعيدا عن الحسابات السياسية – لدعم مسيرة الإصلاح؟ لا شك بأن مسيرة الاصلاح في هيئة التطبيقي مرتبطة بشدة بالإصلاح خارج حدودها كإصلاح البرلمان، ولكنني في هذا المقال سأكتفي بمناولة الاصلاح ضمن أسوارها. مسيرة الاصلاح بالتطبيقي لابد أن تمر عبر اصلاح رابطة أعضاء هيئة التدريس فيها. فالرابطة مقصرة في ملف الإصلاح، وعلى سبيل المثال، كان الأولى أن تحتضن هي الندوة، حتى قبل أن يتم الاعلان عن مشاركة الدكتور المدير العام فيها. فالرابطة يفترض أن تكون صوتا لأعضائها وليست حامية عن الإدارة العليا، التي تمتلك جهازاً اعلامياً متكاملاً باسم مكتب العلاقات العامة والإعلام.
مع احترامي الكامل لأعضاء الهيئة الادارية ولجهودهم، إلا أنني أرى أن الاصلاح في التطبيقي يتطلب نقابيين من أمثال أعضاء الهيئة الادارية للرابطة قبل 10 سنوات. والرابطة لا يمكن أن ترجع إلى سابق عهدها في البعد الإصلاحي، ما لم نتغير نحن اعضاء الجمعية العمومية، فننتخب الأصلح بعيدا عن الاعتبارات الطائفية والعنصرية.
طريق الاصلاح في التطبيقي يتطلب منّا ترسيخ مفاهيم النزاهة والشفافية في ثقافتنا، ومن ثم معاييرهما في ممارساتنا. فنؤمن جميعا – من رؤساء ومرؤوسين – بأن النزاهة والشفافية ضرورتان لاستمرارية هيئتنا، لا عائقين أمام طموحاتنا الوظيفية. ونحرص على تطوير وتعزيز معاييرهما بصورة دورية من خلال دراسات وبحوث لاستحداث وتنقيح وتطوير اللوائح المنظمة للعمل في وحداتها الأكاديمية والإدارية. وحتى تكون هذه اللجان جاذبة للكفاءات، يجب أن يكون العمل فيها بمكافأة مجزية سواء تمت الاستعانة بخبرات من بين المنتسبين للهيئة أو بمنتدبين من خارجها. في الواقع، المشكلة أكبر من قضية توفير دعم مالي لمشروع الإصلاح، لأنها تكمن في تخفي قوى الفساد وفي استشرائها، بصورة تمكنها من اختراق واختطاف مشاريع الاصلاح ومن ثم وأدها. ولا بد من الاشارة إلى أن قوى الفساد في التطبيقي هي ذاتها التي تنخر في الجامعة وفي سائر المؤسسات التابعة لوزارتي التربية والتعليم العالي، فهي ممتدة على نطاق الوزارتين ومرتبطة بقوى فساد على المستوى الوطني، ولذلك تصعب مكافحتها.
من أجل التخفي، تستخدم قوى الفساد شعارات شعبوية كساتر على قبح نواياها. فتسمعهم يستشهدون بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، ولكن دينهم هو دينارهم، وتجدهم يستنكرون التمييز ضد جماعتهم، ولكنهم في الواقع شركاء مع الطائفيين والعنصريين في ظلم شريحتهم المجتمعية، لأنهم انتهازيون لا يعنيهم سوى مصالحهم.وأما استشراء نفوذهم، فمن خلال حرصهم على تقلد المناصب القيادية والإشرافية مهما كانت التكلفة على الصالح العام. وكذلك من خلال توظيف أدواتهم – الشرعية وغير الشرعية – في ابتزاز القياديين الاصلاحيين.
لذلك أدعو الدكتور العزيز بدر الخضري، وجميع الأكاديميين الاصلاحيين بالتطبيقي، للحذر من خطر الوقوع في شباك الوصوليين وصيادي المناصب الذين يجيّرون الجهود والطاقات الاصلاحية من أجل اغتنام المناصب القيادية – ومن بينها مقعد المدير العام – أو ابتزاز متقلديها وشاغليها. وأدعو جميع الاصلاحيين للعمل من أجل تعجيل واستكمال منظومة النزاهة والشفافية بالتطبيقي من خلال لجانها ورابطتها… «اللهم أرنا الحق حقً وارزقنا اتباعه».