سندس الفارسي تكتب : الحضارات الكونية
أكاديميا – سندس الفارسي
حين يتحدث العلماء عن حضارات ذكية أخرى في الكون غير الإنسان فإنهم لا يقصدون تلك الصور الهوليودية لرجال خضر… بل هم يهتمون بمصادر الطاقة واستغلالها وعلوم الفيزياء والكونيات والإمكانيات… والملفت للانتباه في هذا الأمر، فإنه وبالرغم من تقزيم الإعلام عامة وتهميشه لمسألة البحث عن حياة ذكية (أو غير ذكية) أخرى خارج الأرض إلى درجة أنها تكاد تصبح من المحرمات أو العار فيخجل الناس منها ويتجبون الحديث فيها، فإن هذا الموضوع كان وسيظل محل إهتمام مليارات البشر وهو لا يقل أهمية بالمرة عن المسائل الروحانية أو الوجودية الأخرى… بل وربما في البحث في خباياه وفي الاجابة عنه نجد الإجابة عن معظم المسائل الأخرى…
في هذا المقال القصير ، سأتعرض لفكرة الحضارات الكونية وسأطرح بعض الأفكار بشكل مختصر ومبسط قدر الإمكان.
مقياس كارداشيف هو أسلوب لقياس مستوى التقدم التكنولوجي لحضارة ما اعتمادا على كمية الطاقة التي يمكن لتلك الحضارة استثمارها. للمقياس ثلاث طبقات محددة تسمى الفئة
I والفئة II والفئة III
في الفئة الأولى تتوصل الحضارة إلى درجة من الذكاء والتقدم التكنولوجي بحيث يمكنها التحكم الكامل في جميع الموارد المتاحة في كوكبها الأم واستخدام طاقة ذلك الكوكب بشكل كلي. تخيل مثلا حضارة تتحكم في مناخ كوكبها وأمطاره، أو في محيطاته وبحاره وزلازله وبراكينه. طبعا تجدر الإشارة هنا إلى أن الحضارة البشرية لم تبلغ هذه المرحلة بعد ولكن هناك الكثير من العلامات الواضحة التي تشير أن الإنسان في طريقة إلى ذلك… خذ مثلا فكرة الأقمار الصناعية التي ملأت الفضاء المحيط بالأرض، وظهور الإنترنت التي مكن الإنسان من دخول مرحلة جديدة تتمثل في كونه أصبح قادرا أن يراقب كل شبر من سطح الأرض بسهولة وتطويع المعلومة حيثما كان، كما أنه أصبح عالميا بإمكانه التواصل مع أي كان وحيثما كان دون الحاجة للإكتراث بعامل الجغرافيا والمسافات.
أما في الفئة الثانية فيمكن للحضارات المنتمية إليها تسخير كل طاقات نجومها لخدمتها مهما كانت أحجامها، ومن ثمة استغلالها لصنع آلات تكنولوجية على درجة عالية من القوة… مثلا مركبات فضائية تتحرك بسرعات فائقة جدا تخول لركابها التنقل من مجموعة شمسية إلى أخرى بنفس السرعة التي نتنقل بها نحن البشر من مدينة إلى مدينة أخرى، أو صنع أسلحة مدمرة قادرة على تفتيت كواكب برمتها في لمح البصر.
ربما تتساءل: “ولكن كيف يمكن التحكم في طاقة نجم بأسره؟”…
وهذا السوال الوجيه جدا يحيلنا إلى فكرة أخرى للإجابة عنه نطلق عليها مغلاف ديسون أو كرة دايسون وتتمثل في بناء افتراضي هو عبارة عن كرة ضخمة أو سحب هائلة من المسابير الفضائية تحيط بنجم تقوم بإنشائها حضارات المتطورة متمكنة من تقنية عالية. مهمة هذا البناء أو المسابير هو التقاط أكبر قدر من الطاقة المنبعثة من ذلك النجم والهدف الأساسي من ذلك هو تغطية الطلب المتزايد للطاقة من قبل تلك الحضارات المتقدمة تكنولوجيا. ولو أخذنا بعين الاعتبار أن مثل تلك البناءات ستحجب عنا أنوار مثل تلك النجوم فإن ذلك من شأنه أن يشكل أمامنا حاجزا لاكتشاف وجود تلك الحضارات… بل إن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك فيستغل هذه الفكرة لتفسير ظاهرة المادة السوداء أو المظلمة مثلا والتي تفوق ربع مادة الكون المنظور الجملية مشيرا إلى أن هذه المادة هي مادة عادية ولكنها محجوبة داخل مثل تلك البناءات.
أما عن حضارات الفئة الثالثة في هذا السلم، فهي قادرة على التحكم في طاقة مجراتها بأسرها عن طريق التحكم في جل أو كل النجوم ومصادر الطاقة داخل تلك المجرات.
ماذا عن البشر؟ أين هم في هذا المقياس؟
هم لا يزالون في الفئة صفر… تلك الفئة التي لم تشهد قدرا كافيا من التطور يخول لها التحكم في طاقات كوكبها الأم. قد يصل البشر إلى مرتبة الفئة الأولى خلال المائة سنة القادمة إن لم يدمروا أنفسهم بأنفسهم وإن لم تحصل كارثة طبيعية ما توقف تطورهم…
مقياس كارداشيف يطرح فكرة استهلاك الطاقة من منظور كوني أكثر شمولية. وتم اقتراحه لأول مرة عام 1964. وقد تم اقتراح اضافات مختلفة للمقياس منذ ذلك الحين من مجموعة واسعة من مستويات الطاقة ( فئتي V و ( IV إلى استخدام مقاييس أخرى من الطاقة النقية بل والذهاب إلى أبعد من ذلك وطرح فرضيات تواجد حضارات ذكية جدا وقديمة جدا تتحكم في طاقة الكون بأسره وبلغت مراحل فائقة التطور مكنتها من التغلب على الموت والتواجد في عوالم خارج أطر الزمان والمكان.