كتاب أكاديميا

م.شهد الناصر تكتب: دفء الأمان

في فترةِ الحجر المنزلي وجدتُ كثيراً من الذين يتذمّرون من بيوتهم والبعض قد يصف بيتهُ بالسجن والآخر بالعذاب .. أما الوضع لدينا مُختلف ..نحنُ الذين فقدنا كلَّ شيء قسراً ..نحنُ الذين فقدنا الأمان والإستقرار قسراً ..نحنُ الذين نمنا بالعراء لليالٍ ستجدنا نتعلق بأيِّ تفصيلة صغيرة تمنحنا دفء الأمان .
قد يأخذكَ تفكيركَ لمسار بعيد عمّا أقصدهُ وقد تظنني أبالغ لأنّكَ لم تعشّ ماعشناه وكما يُقال “لايشعر بك إلا من عاش ذات شعورك”..
في غربتي قد تنقّلنا بالولايات التركية من الحدود مع سورية إلى أنْ استقرَّ بنا الحال في اسطنبول ..في هذه السّنوات قد استأجرنا كثيراً من البيوت ..
في كلِّ بيتٍ كنّا نسكنه كنتُ أبحث عن أماكن الخدوش لأرممها كي أنسى كلَّ خدش بقلبي ..
كنتُ ألملم كلَّ فوضى كي أنسى بعثرة أحلامي ..
في كلِّ بيت كنتُ أُعيد طلاءه بيدي لأشعر بجمال البدايات ..
كنّا نرتّب كلَّ بيت وكأنّه مُلكنا لنشعر بقليل من الإستقرار ونحمد الله أنّنا لسنا بخيمة أو بالعراء..
في كلِّ بيت كنّا ننسج أجمل الذكريات…
كنتُ أبغض البيوت الرتيبة الجامدة وأبغض أكثر البيوت الفوضوية..
أحبُ بيتي بسيطاً ملوناً بألوانٍ زاهية أحبّهُ عامراً برائحة الكيك وجلسات القهوة مع قلوب كحلاوة السُّكر .
أحبُّ زراعة الورود والإعتناء بها فهي تمنحني مشاعر بالحياة والتجدد هكذا اعتدتُ أنْ أعتني بمن حولي حتى أصبح الإعتناء طبع من طباعي..
كنت أعلّق على حيطان غرفتي أربع صور لنا كانت في صالة التزلج وهي أكثر صور لنا ونحنُ نضحك بجنون..
هذه الصور هي مضاد لقلبي ضدَّ الحزن والملل والغضب والبرد والغُربة ..
كلما نظرتُ لضحكة أخواتي بها أجدُ نفسي أصبحتُ أقوى من أي وقت .
كلما نظرتُ لجنوني معهم أدركُ أنّي طفلة مع الذين ترتاحهم روحي ولن أستطيع المضي بوجهة لايألفها قلبي .

لاتلوموني بحب البيت ..فأنا لاجئة وإنسانة بسيطة جداً أكبر أحلامي بيت صغير دافىء يضمنا فلقد تعبنا التنقل ببيوت جديدة كمشردين بين أزقّة لانعرفها .
أصبحتُ أبغضُ كلمة “مؤقت “لأنّها تُذكرني بشعور التنقل الذي أوجع قلوبنا .
أصبحتُ أبغضُ الحكايات الوهمية المؤقتة التي تأخذُ منْ قلبي كثيراً منْ الصحة والعافية والعُمر وتنتهي بسراب..
إنّي انسانة واقعية أحلمُ بحكاية حقيقية تنبض بالتفاصيل والحياة ..
أحلمُ بقلب يساندني وينتمي لعالمي.. أحلمُ بقلب يحيا معي وبي ..
أمنياتي لكم ببيوت محفوفة بالأمان والسلام..
أمنياتي لكم بقلوب محفوفة بالإطمئنان..
ليس المهم أين ..بل المهم مع مَن ..
والأهم أن تكونوا آمنين مُطمئنين ..
كونوا بخير ..

بقلمي الدافىء:
م.شهد الناصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock