د. بدر الديحاني يكتب: تدني مستوى التعليم… أين الخلل؟
اختبارات “تيمز” هي اختبارات دولية مقارنة تقيمها “الهيئة الدولية للتحصيل التربوي” كل أربع سنوات، والهدف منها هو “دراسة معارف الطلبة وقدراتهم ومهاراتهم في الصفين الدراسيين الرابع والثامن، وذلك في مادتي الرياضيات والعلوم”.
وفي نتائج اختبارات “تيمز” العام الماضي 2015 التي أعلنت قبل أيام سجل طلبة الكويت مستوى متدنيا للغاية، حيث أتى ترتيبهم في أسفل القائمة، وهذه ليست المرة الأولى المؤسفة، فمنذ انضمام الكويت لهذه الاختبارات وترتيبها يأتي في أسفل القائمة وبتراجع مستمر، وهو الأمر الذي يوضّح تدني مستوى مخرجات التعليم التي تعتبر انعكاساً لتردي الوضع العام وتخلف الإدارة العامة، فالسياسة التعليمية أو فلسفة التعليم، مثلما ذكرنا من قبل، هي أحد مخرجات المنظومة السياسية ووسيلتها لتنفيذ رؤيتها لبناء الدولة، وتحقيق الأهداف التنموية.
إن تدني مستوى التعليم هو انعكاس لغياب مشروع تنموي ومستقبلي للدولة العصرية بحيث ترتبط به السياسة التعليمية وتُقيّم على أساس تحقيق أهدافه، علاوة على أنه دليل على تخلف المنظومة السياسية وضعف كفاءتها. لذا فإن أي تقييم جدي للسياسة التعليمية من أجل إصلاحها ورفع مستوى التعليم ينبغي أن يأخذ ذلك في الاعتبار وإلا فهو إضاعة للمال والجهد والوقت لأنه يتجاهل الواقع، ويتغاضى عن الأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى تدني مستوى التعليم، ثم يتوه في تفاصيل النتائج، والأعراض الجانبية، والمظاهر الخارجية من دون ربطها بأسبابها الجذرية، وهذا هو، للأسف، ما يفعله بعض المختصين، ومعظم ورش العمل والمؤتمرات، وكذلك الدراسات المدفوعة الثمن التي يقدمها البنك الدولي التي تُركز على قضايا هامشية ضمن تفاصيل العملية التعليمية وإجراءاتها، وتوصي دائماً بخصخصة التعليم أي تحويله إلى سلعة تخضع لآليات السوق ومتطلباته، وتديرها مؤسسات خاصة هدفها الربح المادي، وهو ما يتعارض مع فلسفة التعليم باعتباره حقا إنسانيا.
ومن المؤسف أن الحكومة تبنت في خططها توصيات البنك الدولي فبدأت بخصخصة التعليم العام تدريجياً متجاهلة الأسباب الجوهرية التي أدت إلى تدني مستوى التعليم، وغير مكترثة، كما يبدو، بما سيترتب على الخصخصة من مساوئ كثيرة.
من هذا المنطلق، فإن معالجة تدني مستوى التعليم بمستوياته كافة سواء في المواد العلمية مثلما تشير اختبارات “تيمز”، أو في العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تُكمل المواد العلمية ولا تقل عنها أهمية، تتطلب وجود مشروع دولة عصرية وإصلاح جذري للإدارة العامة، وذلك لأن تقييم مخرجات السياسة التعليمية في أي دولة من الدول لا يمكن أن يتم بمعزل تام عن تقييم رؤية الدولة ومشروعها العام، ومدى كفاءة المنظومة السياسية ككل، أي الإدارة العامة التي تقع عليها مسؤولية تحديد فلسفة التعليم ورسم سياسته العامة على المستويات كافة، والقيام بتنفيذها بكفاءة، ومراقبتها، ثم تقييمها لمعرفة مدى تحقيقها لأهداف التنمية.
د. بدر الديحاني – الجريدة