محمد السداني يكتب: كيف لدولة أن تطور تعليمها وهي تتعاقد مع معلمين برواتب ثابتة دون حوافز إلى أن يتقاعدوا..
أشعر بالملل وأنا أكتب مقالات عن اللغة العربية وأهميتها من خلال الواقع الذي أتلمسه في مدارسنا. وهذا الواقع يلقي بظلاله على الكثيرين من المهتمين باللغة العربية وأساليب تدريسها وترسيخها في أذهان الطلاب. ولكنَّ شيئا يدفعني إلى كتابة هذا المقال الذي أرى أنهُ واجبٌ وطني وأخلاقي في ظلِّ تسفيه اللغة العربية من قبل رعاتها، وتبسيطها إلى حد السطحية، فصارت مادة ثقافة عامة لا تحمل بين طياتها عبق التاريخ الزاخر بالفنون والأدب.
لقد دأب توجيه اللغة العربية، وهو راعي اللغة وحامي حماها، أن يتحفنا شيئاً فشيئاً بما لديه من أساليب لم نسمع بها في تدريس اللغة، ناسفاً في أساليبه الجديدة، قواعد المنهج القديم الذي يُشار إليه من الكثيرين بأنه منهج سيئ دمر عقول أبنائنا وعقَّد اللغة وحولها إلى مجموعة من القواعد المستعصية على أي إنسان – وهذا طبعاً كذب وافتراء – لأنَّ واضعي المنهج الجديد هم أنفسهم واضعو المنهج القديم… لم يتغير شيء سوى بعض المصطلحات المعربة من وثائق – البنك الدولي – والتي ترجمها «مطورو المنهج» ظنا منهم، أنهم حرروا فلسطين. مع كل هذا التخبط نجد أنَّ الميدان لم يهدأ من كثرة التعديلات التي ترد على مجموعات – الواتساب – فتارة يقرون شيئاً وتارة يحذفونه، وكأنَّ الطلاب والمعلمين حقل تجارب لهم ولاجتهاداتهم، التي لم ولن تثمر في التعليم شيئاً.
إن بوصلة التطوير في اللغة العربية أضاعت وجهتها لأنَّ ربان السفينة لا يعرف كيف يسيرها في ظل الأمواج المتلاطمة من التغريب وابتعاد الطلبة عن اللغة، فمتى كان حامل اللغة لصيقاً بالواقع محفزاً المتعلم على أن يُعمِلَ عقله فينقد ويحلل ويضع وجهة نظر يستخلصها من بنات أفكاره فسيبحث بنفسه عن الأدوات التي تقوم أفكاره من قواعد نحوية وأساليب بلاغية، وعندها تضبط الوجهة ويعرف كل شخص طريقه ووجهته.
بعد سنوات من العمل مع البنك الدولي، وجدت أنَّ كل السنوات التي مرت بهدف تطوير التعليم لم تثمر شيئا، لأن الرغبة في تطوير التعليم عملية تعاونية مشتركة بين المعلم والطالب والمدرسة والوزارة والمكتبة والمجتمع، وهذا التعاون لن يأتي إلا عن طريق الشعور بالرغبة الحقيقية في التعليم ومعرفة قيمة التعليم ودوره في بناء الحضارة والإنسان.
خارج النص:
كيف لدولة أن تطور تعليمها، وهي تتعاقد مع معلمين برواتب ثابتة من أول يوم يدخلون فيه الوزارة إلى أن يتقاعدوا بعد 35 عاماً من دون أن يكون لهم الحق في الترقية والزيادة في الراتب أو أي حافز آخر، والأدهى والأمرّ أنها زادت الطينَ بلَّةً فخصمت منهم ما يعادل 15 في المئة من راتبهم من دون إبداء أسباب. فبربك قل لي، أي نفسية وأي مثابرة وتفانٍ تريد من إنسان لا يكفيه راتبه إلى نهاية الشهر.
محمد السداني