كتاب أكاديميا

خالد الجنفاوي يكتب: المُتَعَلِّم لا يَقْرَعُ طبول القبلية والطائفية


يتوقَّع عامة الناس من الإنسان المُتعلِّم، وبخاصة من درس تخصصاً جامعياً في أحد فروع العلوم الإنسانية، أن يمتلك عدداً مناسباً من المهارات الذهنية المكتسبة يميز عن طريقها بين الحق والباطل، وبين ما ينفع الناس وما يضرهم، خصوصاً ما يتعلق بنفسه! فلا يمكن في أي حال من الأحوال أن يتوافق التعليم الجيد والفكر النير مع التعنت والتطرف أو التعصب القبلي والطائفي والفئوي التفريقي والتفكير الرجعي.
المتعلم يتسامى بعقله النَير وبفكره المنفتح عن أن يُصفق لمن يدعو لكراهية الآخر المختلف أو لإقصائه أو من يلعب على وتر القلق والمخاوف الطبيعية للآخرين.
وبالطبع، ستحدث طامة كبرى إذا رهن أحد المتعلمين والمثقفين عقله وقلبه لمن هم أقل منه تعليماً ودراية، فمن يدعي الثقافة والتنور والعلم جدير به ألاّ ينقاد بسهولة نحو هاوية التعصب، فينزه نفسه عن أن يُصبح ضحية مجانية لتعصبات ونعرات تسبكها عقول متململة أو بدائية التفكير. من يتعلم ويثقف نفسه ذاتيا ويقرأ كثيراً أو ينشر بحوثاً ودراسات متعددة من المفترض أن يكون أكثر الناس تسامحاً وتفتحاً عقلياً، فلا يتوافق مثلاً ضيق الأفق والتعصب والتطرف مع الإنسان المتعلم أو المثقف أو الأكاديمي، أو هكذا تؤكده نظرية التعلم والاستفادة من روافده وأنهاره ومحيطاته الشاسعة. الإنسان المتعلم هو من يستفيد ويرقى أخلاقياً وذهنياً نتيجة لقراءاته واطلاعه وبحوثه ودراساته، حيث يتوقع منه الآخرون أن يكون أكثر إيجابية وأكثر حكمة وقبولاً للرأي الآخر وأكثر تسامحاً من ضيقي الافق.
الانسان المتعلم هو من يساهم بشكل رئيس في بناء المجتمع المدني والديمقراطي التعددي. الإنسان المتنور والمتعلم هو أحد عقول الأمة وحكمائها ومن المفترض أن يحافظ دائماً على اتزانه الذهني وعقلانيته، وبخاصة وسط ضجيج التعنت والتطرف، فمن استفاد فعلاً من تعليمه وتثقفه هو من سيسعى دائماً إلى تكريس المساواة في مجتمعه ونشر الحرية المسؤولة والتسامح والتآلف والمحبة والتعاضد بين أعضاء المجتمع.
يرفض الإنسان المتعلم أن يصبح اليد الأخرى التي تُصفق للقبلية والطائفية والفئوية الضيقة لأنه يترفع بنفسه وبعقله وبإنسانيته وبكرامته وبمكانة فكره الحر وبضميره الحي عن أن تُقدم غنائم لمن تُقرع له طبول القبلية والطائفية.
أرفض كإنسان متعلم أن أرهن عقلي الحر لأهواء ومزاج والنزعات الأنانية لشخص انتهازي وأقل مني تعليماً، فلم أقض مئات الساعات في القراءة والاطلاع بهدف تحرير وتطوير تفكيري حتى أمنحه لشخص ضيق الأفق تصطنعه التعصبات القبلية والطائفية الجائرة.
خالد عايد الجنفاوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock