كتاب أكاديميا

محكمة الجرائم الأكاديمية| أ. د. عبداللطيف بن نخي |

في مقابلة مع «وكالة فرانس برس»، صرح المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط مسعود أحمد، بأنه «مع استمرار انخفاض أسعار النفط – هذا العام – قد نشهد – نحن دول الخليج – تراجعا لعائدات صادرات النفط يناهز المئة مليار دولار»، ولذلك «على دول الخليج أن تنوع مصادر عائداتها وتقلص نفقاتها بهدف التأقلم مع استمرار انخفاض أسعار النفط». والمشاركة المطلوبة هنا ليست على مستوى الدول فقط بل أيضا على مستوى المؤسسات والأفراد وبالأخص في ما يتعلق بجهود الترشيد… كل من موقعه.
هناك ثلاثة محاور للمساهمة في تقليل الأعباء المالية في المؤسسات الأكاديمية، ومنها خيار ترشيد استغلال المرافق والموارد والخدمات. فعلى سبيل المثال يمكننا خفض استهلاك الكهرباء من خلال تطوير منهجية توزيع الجداول الدراسية وبالأخص في الفصول الدراسية الصيفية، بحيث يتم تركيز المحاضرات في فصول دراسية ضمن مبان أو أجنحة محددة على أن تغلق المباني والمساحات الأخرى – طوال الفصل الدراسي – بعد تخفيف شدة التكييف فيها. وأما بالنسبة إلى المختبرات والورش يمكننا إعادة جدولة الساعات العملية بحيث يتم اشغال المعامل خلال ساعات محددة، على أن تبرمج أجهزة تكييف هوائها على درجات حرارة أعلى خارج ساعات تواجد الطلبة. بالطبع هذا مجرد مثال واحد من بين خيارات عدة لترشيد استهلاك الكهرباء في المباني الاكاديمية.
المحور الثاني لترشيد النفقات في الكليات مبني على توعية الطلبة – ومن خلالهم المجتمع – بمدى الحاجة لخفض الاستهلاك وأساليب تحقيقه. لذلك أدعو المعنيين بالمناهج الاكاديمية – في كل المؤسسات الأكاديمية بجميع تخصصاتها – الى تطوير مناهجهم وبرامجهم الدراسية لتنمية معارف وسلوكيات وقيم الطلبة تجاه قضايا وشؤون الترشيد، بل أنني أناشد المجتمع الأكاديمي استحداث برامج تعنى بالتدقيق في موارد الصرف، وفي مقدمها تخصص مدقق حفظ الطاقة في المباني (Energy Auditor) يعنى بتحليل مواقع استهلاك الطاقة في المباني وتحديد سبل ترشيدها. الدول المتقدمة والكثير من الدول النامية بدأت – منذ عقود من الزمن – بتطبيق المحورين الترشيديين السابقين في قطاعات التعليم العالي، وما زالت مستمرة في تطوير منهجياتها وتطبيقاتها. ولذلك اليوم معظمها – ان لم تكن جميعها – مصنفة كجامعات أو كليات خضراء (Green Campuses).
في مقابل المحورين التنمويين السابقين لتقليل ميزانيات المؤسسات الأكاديمية، هناك منحى آخر لتقليل الاستثمار في فضاء التعليم العالي. وضمن هذا المحور نلاحظ وجود مسلكين رئيسيين، الاول مرتبط بتقليل عدد الطلبة المستجدين والمستمرين والثاني على حساب جودة التعليم… تقليل أعداد الطلبة المقبولين في جامعة الكويت والتطبيقي أو تقليص مجموع الطلبة المبتعثين خارجيا وداخليا من بين أمثلة المسار الأول، فضلا عن إقرار لوائح تعجل فصل المتعثرين دراسيا وتضاعف اعدادهم. ولله الحمد هذا الخيار مستبعد حاليا فالتوجه العام لمصلحة زيادة أعداد الطلبة الكويتيين الملتحقين بالتعليم العالي وتنمية الرعاية المتاحة للمتعثرين. وأما المسلك الثاني فأساسه تقليص تكلفة تخريج الطالب، وللأسف هذا المسلك شعبي – خصوصاً بين الطلبة وأسرهم – وبالتالي سيلاقي الدعم السياسي المطلوب وإن كان على حساب جودة التعليم.
لو فرضنا جدلا أن كلية ما خفضت الوحدات الدراسية – المطلوبة للتخرج من برامجها – بنسبة تقارب الـ15 في المئة وقللت ساعات الاتصال بالطالب بنسبة تزيد على الـ 25 في المئة من دون مراعاة لمنظومة ضبط جودة البرامج، فلا شك بأن المجتمع في مجمله سيرحب بهذه الخطوة وكذلك الحال بالنسبة لبعض أصحاب القرار في تلك المؤسسة الاكاديمية الحكومية إذا كانت تعاني من عجز في ميزانيتها. بل أن بعض القياديين في تلك المؤسسة سيعتبرونها إنجازا لهم، لذلك قد لا يرغبون بالاطلاع على سلبيات المشروع وإن كانت جوهرية وتمس جودة مخرجات البرامج المخفضة. من جهة أخرى، التجارب السابقة تؤكد أن بعض نواب مجلس الامة غير مهتمين بجودة التعليم خصوصاٍ إن كان على حساب شعبيتهم، بل أن الأكاديميين مطلعون على سوابق كثيرة تخلى فيها أعضاء في مجلس الامة عن ملفات اصلاح التعليم العالي بعد أن تكسبوا من ورائها.
ما أرغب الإشارة إليه، أن المؤسسات الاكاديمية قادرة على تمييع آلياتها لمراقبة جودة برامجها وتستطيع تمويه هيئات الاعتماد الاكاديمي – المحلية منها والخارجية – متى ما توافقت المؤسسة الاكاديمية داخليا على ذلك. لذلك أناشد الجهاز الوطني للاعتماد الاكاديمي وضمان جودة التعليم بتأسيس وحدة إدارية تعنى بالجرائم الاكاديمية تستقبل الشكاوى المرتبطة بجودة التعليم للنظر فيها والتحقق من مصداقيتها وتباعا تحدد موقفها من تصنيف المؤسسات الاكاديمية المعنية بالشكاوى. المطلوب من الجهاز الوطني لعب دور المحكمة في القضايا التي تمس جودة التعليم، على أن توافر الضمانات اللازمة للمبلغين عن الفساد الاكاديمي…
«اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock