كتاب أكاديميا

” وفيك إنطوى العالم الأكبر”… بقلم: الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح

  اعتاد كثير من الفلاسفة والمفكرون منذ القدم على تعظيم قيمة المعرفة بالباطن، أي معرفة الإنسان بذاته، واعتبروا أن ذلك هو نهج العباقرة والمصلحون فى كل زمان، فمعرفة الباطن هي أرقى المعارف وأقواها رسوخاً، ومن هنا نجد أن العارفون بالله هم العارفون بذواتهم وبواطنهم ومصابيح الهداية لمجتمعاتهم.وعلى النقيض من ذلك، نجد أن البعض ينتهج المعرفة الظاهرية من تحصيل العلوم والمعارف مع الجهل ببواطنهم وهم من يحرمون أنفسهم من الحكمة والتي هي ضالة المؤمن، وقديماً قال أفلاطون مقولته الشهيرة (لا يحيى إنساناً من لا يعرف باطنه).هذه المعرفة بالباطن هي بعينها معرفة بالله، وتحكمها علاقة طردية، فكلما تعمق الإنسان في معرفة ذاته عرف الله وتقرب منه سبحانه وتعالى، وهي معرفة تكشف حجب النفس وغياهبها والغاية من ذلك التحقق والتيقن يصاحبها سمات تتجلى فى أخلاقيات التواضع والصمت واللين عند الحديث عن علم والتوقف بأدب، وتواضع عند مواطن الجهل إن وجد، فلا يتسلل الكبر إلى إنسان عرف حقيقة ذاته ومنشأ خلقه من التراب ومصيره إلى ذلك التراب.لذلك عظم الله هذا السلوك المعرفي للسالكين إليه هذا الدرب وثرب على المستوحشين هذا الطريق والمعاندين له حين قال تعالى: “قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها”، وقد أنشد الإمام علي كرم الله وجهه أبيات يقول فيها:داؤك منك وما تبصردواؤك فيك وما تشعر تحسب أنك جرم صغيروفيك انطوى العالم الأكبروكثيراً ما نقرأ قوله جل وعلا “فكشفنا عنك غطاؤك فبصرك اليوم حديد”، وظني أن مراد الله في هذه الآية الكريمة المقصود به “الغافلون” الذين لا يستأنسون بأنفسهم المحجوبون بحواسهم عن حقيقة ذواتهم المغتربون عن بواطنهم الذين يكتشفون عند الموت أنهم كانوا يؤدون مشهداً تمثيلياً على خشبة مسرح الحياة، فلا شيء كان ينتسب إليهم ظاهراً يعبر عن حقيقة ذواتهم التى جهلوها، ما فائدة معرفة الاسم والأهل والأصدقاء والوظيفة إن جهلنا معرفة حقيقة ذواتنا التي تكشف لنا عند لحظات الموت تمر أمام أعيننا بعد أن تنزاح الحجب؟ فلا شيء يفيد الإنسان إلا معرفته بحقيقة باطنه.فلا يفلح إلا من تجاوز مرحلة الاستغراق المادي الخادع، وأننا نحتاج إلى التوقف لمزيد من التدبر كي نخلع هذه الأقنعة المزيفة التي تجعلنا غرباء عن أنفسنا، وعلينا أن ننتبه من الغفلة فالحياة قصيرة والأجل محتوم، نسأل الله العفو والعافية وأن يبصرنا بأنفسنا ويرزقنا نعمة اليقظة قبل فوات الأوان.


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock