كتاب أكاديميا

التعليم أولاً وثانياً وأخيراً | كتب: د. إبراهيم بهبهاني

  

استغربت كثيراً ما قرأته في القبس، الأسبوع الماضي، عن أن وزارة التربية تعمل على إيقاف بعثات التعليم للخارج لحملة الماجستير والدكتوراه، وقلت في نفسي يبدو أن البعض أخذته «حمية الترشيد» وصار يضرب يمينا وشمالا من دون أن تعرف يمناه ما تفعله يسراه، وأكثر ما آلمني أن تختلط الأمور عند البعض، ولا يفرَّق بين الهدر والإنفاق على التعليم، وهنا الطامة الكبرى؛ أن نصل إلى وقت نعتبر أن مئات الخريجين من حملة الماجستير والدكتوراه أصبحوا من لوازم الهدر؛ وعلينا التفكير في إيقافهم أو حتى ترشيدهم. وعلى الرغم من التوضيح الذي قرأناه بعدها من مسؤولين وقياديين في التربية بأن دعوتهم كانت «للتنظيم» وليس «للترشيد»، ففي الحالتين وقعنا في المحظور.

وأنا أقرأ تلك التصريحات استذكرت ماذا فعل الأميركان عندما سبقهم الاتحاد السوفيتي في إطلاق مركبات فضائية، فما كان منهم إلا أن قرروا اللحاق بهم وإعادة النظر بمناهج التعليم، وبعد خمس سنوات تحقق لهم ما أرادوه وتقدموا عليهم، بل وسبقوهم لأربعين عاماً إلى الأمام.

هذا مثال أردده أمام الأصدقاء وفي المناسبات التي أسمع فيها شكاوى من تردي التعليم لدينا… وليس خافياً على أي إنسان عاقل يدرك ما يفعله العالم والجيران من حوله أن الدول التي تريد التطور واللحاق بركب الرفاهية تخصص ميزانيات ضخمة للتعليم والتدريب، وهذه الدول الإسكندنافية أقرب مثال على ما نقول، فهناك دول قدّمت نماذج نمو اقتصادية لم تكن لتتحقق لولا بروز التعليم نتيجة الإنفاق المالي عليه… مختصر القول: إن نهوض الأمم والشعوب ليس له سبيل أو طريق غير التعليم…

أما الاستثمار في التعليم، فقد بات ضرورة وركيزة لا محالة، وهذا الاستثمار لا بد أن يتوسع لا أن يتم التضييق عليه أو انحساره، والمسألة الأهم أن يكون التعليم بجودة عالية، وهناك دول تخصص أكثر من %15 من موازناتها للتعليم، حتى في أسوأ ظروف التقشف. البند الوحيد المفروض ألا يمس هو ميزانية التعليم… العالم يتحدث عن النهوض بإدخال أساليب جديدة في التعليم.. بيئة حرة.. إطلاق مواهب.. تعليم عال متقدم.. رعاية المبدعين.. تعزيز الفنون والثقافة بالمناهج.

والأهم من كل ذلك.. أن الاستثمار في التعليم سيساهم في مكافحة التطرف.. وهو طريقنا إلى الابتكار وتنمية مجتمعنا بهؤلاء المبتعثين الذين نحتاج إلى عقولهم حتى لا يسبقنا الزمن والآخرون…. مشكلتنا تكمن في تدني مستوى التعليم العالي لدينا، وهذا هو الاختبار الحقيقي: كيف نطور ونحسّن منظومتنا التعليمية العالية؟! 
المصدر: القبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock