الشيخة الصباح تكتب الملكة التي أعتنقت جميع الأديان والثقافات
هناك لحظات يقف أمامها القلم عاجزًا عن الكتابة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن واحدة من أعظم الشخصيات فى العصر الحديث ، عن ملكة تربعت على عرش إمبراطورية عظمى لا تغيب عنها الشمس والتى جمعت بين الثبات الانفعالى والهدوء والأناقة والمواقف التاريخية المشهودة ، إنها جلالة الملكة إليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة ورابطة دول الكومونولث، والتى فارقت عالمنا منذ ساعات تاركة وراءها ٧٠ عامًا من التاريخ المجيد و الإرث العظيم والذى سيظل علامة فارقة فى التاريخ .
ولدت الملكة إليزابيث ألكسندرا مارى فى ٢١ أبريل ١٩٢٦ وهى إبنة الملك جورج السادس والملكة إليزابيث وقد تزوجت الأمير فيليب مونتباتن فى ٢٠ نوفمبر ١٩٤٧ وأصبحت ملكة للمملكة المتحدة فى ٦ فبراير ١٩٥٢ وتوجت رسميًا فى ٢ يونيو ١٩٥٣.
كان لنشأتها فى بيئة الأسرة الملكية وهى إبنة الملوك وحفيدة الملوك دورًا كبيرًا مع زوجها الأمير فيليب دوق إدنبره فى حسن القيادة والتوجيه فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومحاولة التكيف مع تبعات ما خلفته الحرب بشريًا وماديًا ونفسيًا على العالم أجمع ، ولعل أصدق تعبير ما صرحت به رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس أن جلالة الملكة إليزابيث الثانية هى الصخرة التى تأسست عليها بريطانيا، وذلك لأن البرتوكول الملكى القاسى الذى يتبعه أفراد الأسرة المالكة وعلى رأسهم الملكة كان له دور كبير فى استقرار الحياة السياسية والإقتصادية فى جميع الدول التى تخضع للتاج الملكى وللملكة الدستورية التى يقسم لها جميع رعايا دول التاج بالولاء والانتماء .
لقد تعلقت قلوب العالم عامة والشعب البريطانى خاصة بشخصية الملكة إليزابيث الثانية وانسانيتها وأناقتها وحكمتها ،فعندما شهدت المملكة المتحدة فى عام ١٩٧٨ انقسامات وصدامات نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية كان لكلماتها تأثير إيجابى فى نفوس الشعب البريطانى قائلة لهم “ليس من السهل أبدًا أن نكون مرحين وإيجابيين عندما تكون كل الأشياء المحيطة بنا توحي بالعكس، لكن الكف عن بذل الجهد سيعني إذا جاز التعبير، إطفاء الأمل في غد أفضل حتى ولو بدت المشكلات وكأنها تغمرنا هناك دائما مساحة للتفاؤل”.
والحقيقة أنه لا يخفى على أحد أن جلالة الملكة إليزابيث كانت أيقونة للتسامح بين مختلف الأديان والمذاهب والأعراق فهى الملكة التى اعتنقت كل الديانات وكان لتسامحها الفضل الأكبر فى تحول المجتمع البريطانى إلى نموذج عالمى فى التسامح والتناغم بين مختلف طوائفه ، ومن أبرز مواقفها الداعمة للتسامح وفقًا لما ذكرته قناة البى بى سى هو زيارتها لمسجد فى لندن بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ وهى أول زيارة ملكية لمسجد حيث قام إمام المسجد بإهدائها مصحف وهى سياسة حكيمة ترسخ مفهوم المواطنة والإنتماء للوطن قبل أن تكون رسالة للعالم بضرورة التسامح.
يتحدث أسقف كنيسة كانتبيري وهو من الشخصيات المقربة للملكة إليزابيث الثانية عن جوانب من شخصيتها الاستثنائية حيث قال أنه اجتمع بالملكة فى مناسبات عديدة وأن جلالتها كانت تواجه المصاعب بالأمل والثبات والتسامح وكانت دائمًا تظهر لنا جماليات الحياة المليئة بالبهجة والفرح حتى فى الأوقات العصيبة إبان فترة حكمها ، يقول أيضًا أنه تحدث معها بعد وفاة زوجها الأمير فيليب دوق إدنبره والذى كان لها بمثابة كتلة من الدعم والتضامن والأمل ، وعن خدمتها وحبها للوطن يذكر أنه فى يوليو الماضى كان يتحدث معها على إنفراد وفوجئ أنها تذكره بمقولات لقادة العالم فى فترة الستينات مما يبرهن على ذاكرتها القوية و إحساسها العميق بالحكمة والإخلاص فى خدمة وطنها وأنها الشخص الوحيد فى العالم الذى يقول ويفعل ما يعتقده فقط فهى موطن الحكمة والثقة.
أما العلاقات البريطانية / الكويتية فهى علاقات تاريخية تعود لمعاهدة الصداقة الأنجلو كويتية ١٨٩٩ وحتى استقلال الكويت عن الحماية البريطانية ١٩٦١ فى عهد الوالد حضرة صاحب السمو الشيخ عبدالله السالم رحمه الله وطيب الله ثراه وجعل الجنة مئواه، وكان لبريطانيا دورًا كبيرا فى تحرير الكويت من الغزو العراقى مرتين ،الأولى عام ١٩٦١ فى عهد عبدالكريم قاسم ، والثانية فى طليعة قوات التحالف الدولى عام ١٩٩١ ضد الجيش الصدامى الغاشم.
وختاما سنظل نذكر أصدقاء الكويت وحلفاءها بكل الخير من وقفوا بجوارنا فى أزماتنا ، سنظل نذكر عظماء التاريخ ولا سيما جلالة الملكة إليزابيث الثانية بكل الخير كرمز للحكمة والتسامح والأمل ، وأتقدم كمواطنة كويتية بخالص وأصدق العزاء والمواساة للشعب البريطانى الصديق لرحيل ملكة القلوب ، فلترقد جلالة الملكة إليزابيث الثانية فى سلام
..بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الصباح