قسم السلايدشو

د. فاطمة السالم: الأسماء المستعارة بين الحرية والضرر الاجتماعي

‏  القبس – يعد استخدام الأسماء المستعارة احد الجوانب المضيئة في الانترنت. فمن المتعارف عليه ان الانترنت يعزز حرية التعبير والمشاركة، وانه دائما ضد القيود والقوانين التي تفرضها السلطة. ان استخدام الأسماء المستعارة يؤكد مفاهيم الخصوصية وحرية الراي، حيث انه يمنع تجسس الحكومات وتتبعها للمواطنين، كما وانه يحمي الافراد من متابعة كبرى شركات الانترنت ومحركات البحث واستغلال بياناتهم. وقد أكدت المنظمة الاميركية لتطوير العلوم ان الأسماء المستعارة حق مشروع، ولا يتعارض مع الاخلاقيات، وأكدت المنظمة في مؤتمر عقد مؤخرا انه يجب اعتبار الأسماء المستعارة جانبا من حقوق الانسان والحقوق الدستورية.وبدأ انتشار استخدام الاسماء المستعارة واهتمام مستخدمي الانترنت بحماية خصوصيتهم يزداد مع تزايد استخدام محركات البحث لمعلومات المستخدمين واستغلالها في التسويق والتحليل.ويعد ايدواود سنودن الشاب الاميركي الذي سرب طريقة قيام الحكومة بتتبع المواطنين ومراقبتهم سببا مهما في اختلاف سلوكيات المستخدمين عبر الانترنت، فبات المواطن اكثر حرصا في التخفي وحماية خصوصيته من أعين السلطة.لكن هذه الرؤية قد لا تكون شاملة، اذ انها لا تأخذ بعين الاعتبار الجوانب السلبية للاسماء المستعارة، والتي من أهمها انها تمزق المجتمع وهوية افراده. فثمن الحرية لا يتعلق بحرية اخفاء هوياتنا، بل بالمساءلة. ما ان يفقد الأفراد وتفقد الحكومات إمكانية التعرض للمساءلة نفقد جميع الموارد التي تخولنا لاستخدام القانون، وبذلك نفقد الحرية.لا يمكن الإصلاح من دون شجاعة وصدق.. وانفتاح المسؤولية الاجتماعيةينعم الأفراد في المجتمعات الحرة بامور عديدة، مثل المأوى والحماية. ولكن بالمقابل هم مطالبون بخدمة وعطاء مجتمعاتهم. فعدم مساواة ما يؤخذ الفرد من المجتمع بالعطاء يسبب العديد من المشاكل.تنشأ الكثير من الازمات والاختلالات المجتمعية إذا سعى أفرادها إلى الحصول على السلطة والمال، ولا يقدمون للمجتمع بالمقابل.أفراد المجتمع الصغير كالعائلة والقرى الصغيرة التي يعتمد أفرادها بعضهم على بعض اكثر استقرارا بغض النظر عن الاختلالات، اما في المجتمعات الكبيرة كالمدن والدول، فالاختلالات المجتمعية تؤدي الى الجريمة والعنف وعدم استقرار اجتماعي والاعتصامات، وقد يصل الامر الى الثورات.الأفراد الذين يخفون هوياتهم وراء أسماء مستعارة يقومون بتبرير أفعالهم ضد من يَرَوْن أنهم أعداء أو مختلفون، فهم يرون ان من حقهم القيام بكل ما بوسعهم مثل الحملات الالكترونية وغيرها لحماية انفسهم.لكن عندما يقوم مجتمع بعقاب المخطئين قانونيا، فانه يسعى الى عدم تكرار الخطا وإرسال إشارات للأشخاص الذين ينوون القيام بافعال من شأنها الانتقاص من حرية الآخرين. لذلك تسعى المجتمعات الديموقراطية إلى السيطرة (قوانين وانتخابات) لضمان عدم استغلال المناصب، وعدم التعدي على حرية الآخرين.ولحل اي مشكلة تتعلق بعدم العدالة سواء كانت تتعلق بالدولة او الأفراد او المجموعات، تتوجب إمكانية مساءلة الأشخاص المسؤولين. لذلك في اي مجتمع حر وعادل يتوجب ان يلامس الأشخاص العدالة. وقد ثبتت التجارب ان المجتمع الذي يعتمد فقط على حسن النوايا والمشاعر لا ينجح بالضرورة في تأمين العدالة. وبالمقابل فان المحاولة لضمان العدالة من خلال مقاييس تمنع وتحرم جميع الأخطاء غير مجدية، حيث ان إمكانية منع وتجريم جميع الأفعال مستحيلة، لذلك علينا بكل تأكيد كمجتمعات ان نسعى بتربية الافراد على المواطنة الصالحة التي تبنى على أسس متينة من الحرية المسؤولة والمساءلة.الجرائم الإلكترونيةبالمقابل فان المساءلة سواء القانونية او الاجتماعية تتطلب ان يتم التعرف على الأشخاص المخطئين كي تتم محاسبتهم وهذا ما لا توفره الأسماء المستعارة.ويبني المناهضون لاستخدام الأسماء المستعارة في الانترنت رفضهم على ان التخفي يتسبب بالعديد من الجرائم والانعزال والوحدة. فالجرائم الالكترونية كانتحال الشخصية والابتزاز والاختراق في تزايد وتقدر حجم الخسائر الناجمة عنها بمليارات الدولارات في السنة، الا ان الخسائر المادية لا تقارن بالخسائر الانسانية كتشويه السمعة وفقدان الثقة وفقدان الاخلاقيات فتلك الخسائر لا تقدر بثمن.تقرير الـ «بي بي سي»ويؤكد تقرير نشرته البي بي سي عن الاسماء المستعارة في مارس 2015 ان التكنولوجيا صعبت وضع الحدود المقبولة في المنافسة وقدمت انماطا جديدة في خرق الاخلاقيات والمبادئ. وأكد د. ديفد ويلسكي استاذ اخلاقيات العمل من جامعة بتس بيرغ ان القوانين ومواثيق الشرف الخاصة باستخدام الانترنت لم تعد قادرة على مواكبة التطور السريع في التكنولوجيا.على الرغم من خطورة ذلك، فان هناك خطرا اكبر اذا ما تم اعتماد التخفي وراء اسماء مستعارة في التفاعل والتواصل الالكتروني وهو إعطاء الشرعية للسلطة باستخدام ذات الأسلوب وما قد يترتب عليه من تسريب المعلومات والبيانات الخاصة والضغط على المسؤولين، وقد يؤدي ايضا للقيام بحملات منظمة تؤثر في الانتخابات وإقصاء الخصوم السياسيين او الهجوم عليهم.حرية التعبيرتمثل حرية التعبير أمرا رئيسيا وجوهريا في المجتمعات الديموقراطية بسبب ان الأفكار تغير المجتمعات واي فكرة مهما كانت غير منطقية قد تصبح مفيدة ولو بعد حين. فمن الضروري الا تحجب الأفكار ويجب الا تتم محاسبة اي شخص بسبب التعبير عن رأيه وأفكاره. فالمعنى الحقيقي لحرية التعبير هو ان تتم حماية الفرد من المحاسبة بسبب أفكاره ولكن بشرط الكشف عن الهوية. ولكن استخدام الأسماء المستعارة ليس مرتبطا فقط بحرية التعبير ولكن مرتبط بعدم العقاب والحد من القيود. لذا يعد التخفي وراء اسماء مستعارة نوعا من الحماية ضد قوة وتعجرف السلطة سواء كانت دينية او سياسية او حماية من ضغط رأي الأغلبية.دوامة الصمتيعد رأي الاغلبية في المجتمعات نوعا من الضغط، حيث يشعر الاشخاص غير المنتمين او غير المؤمنين برأي الاغلبية بالخوف من العزلة الاجتماعية، وذلك ما تؤكده نظرية الاعلام الشهيرة دوامة الصمت للباحثة الالمانية نويل نورمان (1974)، والتي تنص على ان هناك دائما رأيا للاغلبية في المجتمعات، وهو الرأي السائد في وسائل الاعلام، وما ان يشعر احد الافراد باختلاف رأيه عن ذلك الرأي السائد يدخل بحالة صمت وعدم تعبير بسبب الخوف من رفض الجماعة الغالبة. لذلك يسعى الكثير الى التخفي وراء اسماء مستعارة، حيث توفر لهم امكانية التعبير من دون الشعور بالرفض والعزلة بسبب آرائهم.القيود الاجتماعيةهناك دائما قيود وقوانين اجتماعية واعراف لا يمكن تجاوزها وهي التي تحدد علاقاتنا وحدود حياتنا، فهناك امور قد تبدو غير مقبولة اجتماعية او كلمات لا يمكن استخدامها، ولذلك يشعر افراد المجتمع احيانا بالضغط لعدم التعبير بحرية عن آرائهم ومعتقداتهم بسبب ضغط المجتمع او العائلة او القبيلة. لذلك توفر الاسماء المستعارة نافذه حرة للتعبير عن الآراء بعيدا عن الضغوطات الاجتماعية. وهناك ايضا مواضيع تعد من المحرمات الخوض بها مثل الدين والحب والآراء السياسية وكل مجتمع لديه قائمة «بالتابوهات» التي لا يسمح بها، ولكن مع استخدام اسم مستعار يمكن للفرد تخطي تلك القواعد.التمكينوتؤكد دراسة لشركة انتل 2012 ان الانترنت اصبح وسيلة للتعليم وتبادل المعلومات والتمكين. فالانترنت يوفر فرصة لتجربة امور من الصعب على الفرد تجربتها في الحياة الواقعية. وهو يوفر مساحة حرية تمكن الافراد من البحث والتعبير والتواصل من دون القيود الاجتماعية. فالحرية التي يسمح بها الانترنت ومن خلال الاسماء المستعارة بالتعبير تمكن على سبيل المثال المرأة من الخوض في مواضيع تعد خاصة بالرجال كالسياسة والرياضة. فالسياسة مثلا وفي مجتمعاتنا تعد مجالا للرجال وحتى لو حاولت المرأة الخوض في الامور السياسية والنقاش لا تحصل على ذات الوزن الذي يحصل عليه الرجل.التخفي يمزّ.ق المجتمع وهوية أفراده حماية السمعةيوفر استخدام الاسماء المستعارة حماية للسمعة، وهو امر متعلق باستراتيجيات ادارة السمعة والتي تؤكد ان الانترنت لا ينسى شيئا ولا يمكن التراجع عن رأي بعد ان يتم نشره وترويجه بين المدونين والمغردين، ولكن الاسماء المستعارة من جانب اخر توفر امكانية حماية السمعة للافراد من خلال التخفي بقناع اجتماعي والبوح بالرأي بشكل عام.اختيار الهويةتمكن الاسماء المستعارة الافراد من اختيار هويات خاصة بهم قد لا تمت للواقع بصلة وهو نوع من الهروب من الواقع. ويمكن تفسير ذلك من خلال نظرية الاعلام الاستخدامات والاشباعات والتي تنص على ان كل فرد يشبع حاجات معينة في التعاطي مع وسائل الاعلام واذا ما نظرنا للاشباعات التي قد تقدمها الاسماء المستعارة وخاصة اختيار هويات معينة هو اشباع الرغبة بالهروب.صناعة التاريخالتاريخ لا يصنعه سوى الأشخاص الذين يتحلون بالشجاعة الكافية للتعبير بغض النظر عن المخاطر الشخصية التي قد يتكبدونها. لذلك فالإصلاح قد يأخذ وقتا طويلا الا انه لا يأتي الا مقرونا بالشجاعة والصدق والانفتاح كسبيل للتعيير. قد تمنح الاسماء المستعارة الأشخاص وسيلة سهلة للتعبير عن آراء الأفراد ضد السلطة وتعزيز التغيير.. لكن في الواقع هي طريقة ليست عملية وذات تكلفة عالية على المدى البعيد.■ عضو هيئة تدريس في قسم الاعلام – جامعة الكويت


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock