أخبار منوعة

توماس فريدمان: سرعة التطور التكنولوجي تمهد لنهاية عصر الإنسان العامل

  

ارتفاع الخبرات والمؤهلات الوظيفية أهم الصعوبات التي تواجه أميركا والكويت

العالم اليوم لا ينقسم إلى شرق وغرب بل إلى عالم منظم وعالم فوضوي

العالم أمام خيارين: الارتقاء السريع بالمهارات أو مواجهة مخاطر ضياع الوظائف

الأنباء – قام مركز صندوق النقد الدولي للاقتصاد والتمويل في الشرق الأوسط، بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بتنظيم ندوة قام خلالها المفكر والكاتب بصحيفة نيويورك تايمز والحائز جائزة بولتزر توماس فريدمان، بمناقشة أحدث افكاره مع د.أسامة كنعان، مدير المركز، حول موضوع «عصر السرعة ـ كيف نفهمه ونزدهر فيه».
حيث تركزت المناقشة على الطريقة التي يمكن من خلالها أن تتكيف الدول المختلفة، وخاصة في العالم العربي، مع عالم يشهد تغيرا سريعا بفعل مجموعة من العوامل والقوى المؤثرة في مجال العولمة، والثورة الرقمية، وتغير المناخ.
وناقش فريدمان أثر هذه المجموعات الثلاث من التحديات التي ينبغي للبلدان أن تكون على أهبة الاستعداد لمجابهتها اليوم والتي تجعل العالم يتطور بوتيرة متسارعة.
فقد تناول بالشرح أولا، استنادا إلى تجارب التاريخ القريب، كيف أن العولمة تربط بين الاقتصادات ربطا أوثق، مما يزيد من الاعتماد المتبادل بين العمال والمستثمرين والأسواق ويزيد من تأثرهم جميعا بالتوجهات العالمية السائدة.
الثورة الرقمية
أشار فريدمان إلى «قانون مور» المتعلق بالثورة الرقمية، ووفقا لهذا القانون فإن سرعة وقوة الرقائق الدقيقة سوف تتضاعف مرة كل عامين.
وشرح باستخدام أمثلة حديثة كيف أن القوة المتزايدة لحزم البرامج الإلكترونية، وأجهزة الحاسوب، والروبوتات أصبحت تتطلب من العمال الارتقاء السريع بمهاراتهم أو مواجهة مخاطر ضياع وظائفهم.
وتحدث عن دور التكنولوجيا في عصرنا الحالي التي تخلو من الأخطاء البشرية في أداء الوظائف والعمل، مشيرا إلى حادث طائرة وقع في احدى الولايات الأميركية نتيجة الخطأ البشري لقائد الطائرة رغم الطقس الجيد في وقت الحادث، في حين انه لو كان الطقس سيئا والطيار آليا لما كان وقع الحادث.
واعتبر ان العالم اتصل بعضه ببعض في عام 2004، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي «الفيسبوك»، مبينا أنه خلال الفترة من 2004 حتى 2011، ونتيجة سرعة التطور التكنولوجي أصبح هناك العديد من وسائل التواصل الاجتماعي «لينكد ان»، «تويتر» «سكاي بي» وغيرها، في غضون سبع سنوات فقط، وهو تطور لم يسبق ان رأيناه في التاريخ، وهو ما يمهد لنهاية عصر الإنسان العامل، والذي كان واضحا بعد ان تغلب الكمبيوتر على بطل العالم في لعبة الشطرنج، ليكون بذلك آخر إنسان بطل في هذه اللعبة.
وتطرق إلى طريقة جديدة من الاختراعات والابتكارات قامت بها شركة «ايه جي» عندما عرضت مسابقة عن طريق الموقع الالكتروني لاحد محركات طائرات «البوينغ» مقابل أموال، وكانت هذه المسابقة مفتوحة امام كافة دول العالم، موضحا انه في غضون ثلاثة اسابيع حصلوا على 600 اختراع منفصل، ومن بين اول عشرة اختراعات لم يكن منهم اميركي أو مهندس في الطيران، حيث فاز بالجائزة الأولى شاب اندونيسي عمره لا يتجاوز 21 سنة، مما يجعل هذا العصر الأفضل للمبتكرين، معتبرا ان عصر التخمين والتساؤل، قد انتهى لان هناك كمية هائلة من المعلومات سهلة المنال.
وأضاف: اننا نعيش حاليا في عصر المكننة الثاني، حيث اعتمد عصر المكننة الاول على الطاقة البخارية لتسيير الآلات التي كانت تحتاج إلى قوة عاملة كبيرة تقودها، في حين بدأ عصر المكننة الثاني قبل خمسين عاما على يد احد مؤسسي شركة انتل الذي قال ان قوة وسرعة الشرائح الالكترونية «المايكرو شيب» والتي ستتضاعف قدرتها التخزينية وسرعتها كل شهرين ونصف تنخفض أسعارها بنسبة 50%.
وأشار الى أن الآلات في عصر المكننة الثاني لم تعد في حاجة إلى اليد العاملة لإدارتها وهو التحدي الذي نواجهه الآن، لأنه بعكس النظام البخاري، وهذه السرعة الكبيرة في التطور التكنولوجي لها اثر كبير على حياتنا اليومية المعاصرة.
كما تطرق فريدمان إلى تجربة الصين في الصناعة، حيث تقوم بتصنيع منتجات وشحنها إلى دول اخرى وبيعها بأسعار أقل من المنتجات الوطنية المنافسة لهذه الدول، موضحا ان ما نشهده حاليا ان معايير العمل بشكل عام قد ارتفعت مستوياتها عما سبق على مستوى العالم، فالدول المتقدمة تعاني من ضغوط في هذا المجال، في حين تشهد دول كانت فقيرة قفزات اقتصادية، لذلك فإن تقسيمات العالم حاليا لا تنصب بين شرق وغرب وشمال وجنوب، بل بين عالم منظم وعالم فوضوي.
وفيما يتعلق بالتحدي المرتبط بالثورة الرقمية، ركز فريدمان على دور إصلاح التعليم في تزويد الأجيال الجديدة من الخريجين والعمال بالمهارات الجديدة، وتعزيز الاستعداد للتعلم المستمر المتسم بالمرونة.
وأفاد بأن ما نشهده حاليا من مآس في البحر المتوسط هي هجرة البشر من عالم فوضوي إلى عالم منظم، وهذه الحركة البشرية هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.
وبين أن أهم الصعوبات التي تواجه الولايات المتحدة والكويت ان الخبرات والمؤهلات الوظيفية لشغل اي وظيفة قد ارتفعت.
وذكر ان معظم الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة اعتمدت على وظائف بحاجة إلى خبرات ومهارات متوسطة المستوى، وهذا الامر قد انتهى وأصبح من الماضي البعيد، لأن اكبر المعامل والمصانع هناك لا تحتاج إلا لعدد ضئيل من الأشخاص لإدارتها بسبب التقدم التكنولوجي.
مجال العولمة
وفي مجال العولمة ركز على الضرورة الملحة لإزالة العوائق أمام التجارة وتدفق الأفكار، الأمر الذي يؤدي إلى تنمية القطاع الخاص وتنويع قاعدة الإنتاج في البلدان العربية خصوصا تلك المنتجة للنفط.
وطالب الكويت وباقي دول العالم بالحفاظ على الطبقة الوسطى، لاسيما فيما يتعلق بالتطورات الاقتصادية والتكنولوجيا المتسارعة جدا، مستندا الى مثال قيام السعودية بخفض أسعار النفط بهدف اخراج منصات حفر النفط الصخري في ولاية داكوتا الشمالية، حيث كانت تكلفة استخراج النفط الصخري تزيد على 70 دولارا، ولكن مع التطور التكنولوجي استطاعت هذه الشركات في أميركا من رفع كفاءة إنتاجها وتخفيض التكلفة إلى 60 دولارا ثم 50 دولارا ثم 40 دولارا وبقيت قيد العمل.
وقال انه التقى قبل ان يأتي إلى الكويت مع مدير احدى الشركات العاملة في هذا المجال في الولايات المتحدة وقال له انهم ما زلوا يحققون أرباحا رغم انخفاض أسعار النفط وذلك لامتلاكهم لمعلومات ولتكنولوجيا تمكنهم من الإنتاج حتى لو انخفضت أسعار النفط إلى ما دون الـ 40 دولارا.
وعن بقاء دور الولايات المتحدة الأميركية الريادي على المستوى العالمي رغم الأزمة المالية، ارجعه فريدمان إلى التفاعل الاجتماعي داخل المدن الأميركية الذي ما يلبث أن يتكاتف مع بعضه البعض لمواجهة أي تحديات.
المؤثرات البيئية
وناقش فريدمان ثالثا آثار النمو السريع في انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي فضلا عن تآكل الغابات بسبب النمو السكاني السريع والسياسات قصيرة النظر، وكلها آثار تزعزع استقرار النظام البيئي لكوكب الأرض.
وناقش في ذات السياق السبل التي يمكن أن تنتهجها الدول العربية، وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي، للتحضير لمواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة لموجات الحرارة والرطوبة، وكذلك محاولة تخفيف تلك الآثار التي تشير التنبؤات إلى أنها ستمثل تهديدا خطيرا لحياة الإنسان خارج المباني المغلقة، خاصة خلال عمر الجيل الجديد من سكان العالم العربي.
ولدى سؤاله عن المؤثرات البيئية قال إن هناك تغيرات وتحديات يفرضها التغيير المناخي على اقتصاديات المنطقة العربية، وعلى الجميع أن يأخذ هذه التحديات بجدية لاسيما أن سورية شهدت في الفترة من 2006، إلى 2010، انتقال اكثر من 4 ملايين مزارع من الريف إلى المدينة ولم يقم الأسد بفعل أي شيء من اجلهم وهم كانوا وقود الثورة السورية، وانضم قسم كبير منهم إلى داعش.
وبخصوص المؤثرات البيئة على الكويت أوضح أنها تقتصر على ارتفاع منسوب مياه الخليج وتأثيرها على المدن الساحلية.
من جانبه، ناقش د.أسامة كنعان مدير المركز مع فريدمان انعكاسات أفكاره على العالم العربي، وعلى وجه الخصوص في مجال العولمة، والثورة الرقمية، وتغير المناخ، ثم تم فتح باب النقاش مع الحضور.
وأشار كنعان إلى أن هذه الندوة هي الفعالية الثانية ضمن سلسلة جديدة من الفعاليات ينظمها المركز بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ترمي إلى تحفيز المناقشة بشأن القضايا الاقتصادية الراهنة التي تعتبر محل اهتمام خاص لدى الجمهور وصانعي السياسات في الكويت والعالم العربي بشكل عام.
وأضاف قائلا: إن العالم العربي يمر الآن بمنعطف تاريخي تشهد فيه بلدان عديدة انحدارا بسبب اشتداد النزاعات والحروب الأهلية وتقادم المؤسسات وتراجعها المستمر مما يزيد من حدة التحديات الاقتصادية المزمنة المتمثلة في الارتفاع المستمر في معدلات البطالة والفقر وانعدام المساواة الاقتصادية.
كما أشار كنعان إلى أن المناقشة التي جرت مع السيد فريدمان تهدف إلى المساعدة على استكشاف السبل التي يمكن للعالم العربي من خلالها التكيف مع تحديات العولمة السريعة، والثورة الرقمية، وتغير المناخ وذلك في ظل الوضع الحرج الراهن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock