وحدة دعم ومساندة الباحثين… خطوة ضرورية للنهوض بالبحث العلمي في “التطبيقي” | بقلم: د. خالد الهيلم الزومان

في ظل تزايد متطلبات النشر العلمي وتنوع اشتراطات المجلات الأكاديمية حول العالم، برزت الحاجة إلى إنشاء وحدة متخصصة لدعم ومساندة الباحثين داخل الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، على غرار المكاتب المماثلة في عدد من الجامعات الخليجية والعربية والعالمية.
فاليوم لم يعد الباحث الأكاديمي يواجه تحديات جمع المادة العلمية فحسب، بل أصبح مطالبًا بفهم أنظمة النشر الدولية، والتعامل مع اشتراطات فنية معقدة تتعلق بالتنسيق والتحكيم والمجلات المفهرسة، الأمر الذي يستهلك وقتًا وجهدًا كبيرين ويعرقل مسار النشر العلمي.
دعم منهجي وخدمة مؤسسية
الفكرة تقوم على تأسيس “وحدة دعم ومساندة الباحثين” لتكون ذراعًا مساندة لأعضاء هيئة التدريس والباحثين في كل ما يتعلق بالنشر العلمي.
ومن أبرز مهامها:
مساعدة الباحثين في اختيار المجلات المناسبة التي تتوافق مع لائحة الترقيات المعتمدة في الهيئة.
مراجعة وتنسيق البحوث العلمية لتكون جاهزة للنشر وفق متطلبات المجلات الدولية.
تقديم استشارات فنية وأكاديمية حول آليات النشر الأخلاقي وتجنب المجلات الوهمية.
توفير خدمات التحرير والترجمة والتنسيق الفني مقابل رسوم رمزية، تضمن استدامة الوحدة واستمرارية خدماتها.
نماذج جامعية يحتذى بها
ومن النماذج المميزة التي يمكن الاستفادة من تجربتها، ما تقدمه عمادة البحث العلمي في جامعة الملك سعود من خلال وحدة مساندة وخدمات الباحثين، وهي وحدة متكاملة تقدم جملة من الخدمات النوعية التي تساعد الباحثين على الارتقاء بجودة إنتاجهم العلمي. ومن أبرز خدماتها:
الاستشارات البحثية التي تمكّن الباحث من تطوير فكرته وصياغة منهجية متكاملة للبحث.
قياس نسبة التشابه (Plagiarism Check) لضمان الأصالة الأكاديمية وسلامة المحتوى العلمي.
التحرير اللغوي للأبحاث العلمية باللغة العربية أو الإنجليزية وفق المعايير الأكاديمية الدقيقة.
الترجمة الأكاديمية المتخصصة للأبحاث والملخصات بما يتوافق مع متطلبات المجلات العالمية.
اختيار المجلات المناسبة للنشر بحسب تصنيفها في قواعد البيانات العالمية وملاءمتها لموضوع البحث.
إن هذه التجربة الثرية تعكس نموذجًا مؤسسيًا ناجحًا في دعم الباحثين وتمكينهم من النشر في مجلات علمية محكمة، وهو ما تحتاجه الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب في المرحلة الراهنة لتعزيز تنافسيتها البحثية.
نموذج دولي رائد – تجربة “Elsevier”
وعلى الصعيد الدولي، تقدم شركة Elsevier، وهي من كبرى المؤسسات العالمية في مجال النشر العلمي، نموذجًا متكاملًا لدعم الباحثين عبر منصتها المتخصصة Researcher Support Services، التي تهدف إلى رفع جودة النشر الأكاديمي وتسريع وصول الأبحاث إلى المجلات المحكمة.
وتتضمن خدماتها:
المراجعة العلمية والتحرير الأكاديمي بإشراف خبراء دوليين لضمان دقة اللغة وجودة العرض العلمي.
تحليل نسبة التشابه العلمي (Similarity Check) من خلال أدوات دقيقة مثل iThenticate.
إعادة الصياغة والتحرير الأسلوبي لتناسب متطلبات المجلات العالمية من حيث الوضوح والأصالة.
توجيه الباحثين لاختيار المجلات الأنسب من حيث التخصص، عامل التأثير، وسياسات النشر.
تدريب الباحثين الجدد على مهارات إعداد المقالات العلمية وفق معايير النشر الدولي.
ويعد هذا النموذج من أكثر النماذج نجاحًا في العالم، إذ يجمع بين الدعم الفني والتحرير الأكاديمي والمشورة البحثية في منظومة واحدة، مما ساهم في رفع معدلات النشر لدى آلاف الباحثين حول العالم.
ثمار منتظرة
إن إنشاء وحدة دعم ومساندة الباحثين في الهيئة سيشكّل نقلة نوعية في مسار البحث العلمي، إذ سيسهم في:
رفع معدلات النشر الأكاديمي في المجلات المصنفة ضمن قواعد البيانات العالمية.
تعزيز سمعة الهيئة في المحافل الأكاديمية العربية والدولية.
تمكين الباحثين الجدد من تجاوز العقبات الإدارية والفنية المرتبطة بالنشر العلمي.
فبدلًا من أن يعمل كل باحث بشكل فردي في مواجهة متطلبات النشر المعقدة، ستكون هناك جهة مؤسسية تتولى الدعم والإرشاد بخبرة واحترافية.
ختامًا وتوصية
إن هذه الدعوة لا تأتي من فراغ، بل من إدراك عميق بأن جودة البحث العلمي هي بوابة التطوير الأكاديمي الحقيقي، وأن وجود وحدة دعم ومساندة الباحثين لم يعد خيارًا، بل ضرورة مؤسسية تواكب التطور في بيئة التعليم العالي وتنسجم مع رؤية الكويت 2035 التي تؤكد على الابتكار والمعرفة والإبداع.
ونأمل من إدارة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب دراسة هذا المقترح بجدية، والمبادرة إلى تأسيس وحدة دعم ومساندة الباحثين في أقرب وقت ممكن، لما لها من أثر مباشر في رفع مستوى النشر العلمي وتمكين الكفاءات الأكاديمية من أداء دورها البحثي بأفضل صورة ممكنة.
د. خالد الهيلم الزومان




