أخبار منوعة

كيف أدرس بتركيز؟ إليك أبرز نصائح علم النفس لتحسين فاعلية الدراسة

حدث ولو لمرة واحدة أن وجدت نفسك في ورطة، ها أنت ذا تفصلك ساعات عن موعد الاختبار، ولم تستذكر بعدُ المقرر، تنظر إلى الساعة بتوجس، لتدرك أن الوقت ليس لصالحك. تفكر كيف سيتسنى لك أن تُنهي كل تلك الصفحات المتضخمة؟ كيف بددت كل تلك الأيام ولم تسر على المخطط الذي وضعته قيد أنملة؟ تنزل بك خواطر سوداء حول الرسوب، تقضي ليلتك بلا نوم في استهلاك كميات من مشروبات الطاقة أو الكافيين وتكديس المعلومات وحشوها داخل عقلك. وفي الصباح تسارع لجامعتك/مدرستك لتقديم الامتحان، لتخرج من هناك وقد نسيت كل شيء ونجحت على الحافة.

يذكر علماء النفس أن قدرتنا على تحديد مهارتنا المعرفية محدودة ومغلوطة، ما يمنحنا اعتقادا خادعا مبالغا فيه حول تصوراتنا عن أنفسنا وقدراتنا لنكوّن انطباعا خاطئا بأننا نعرف الكثير بينما لسنا كذلك حقا، وهو ما قد يؤدي بنا إلى الانزلاق لإحدى الانحيازات المعرفية كتأثير “دانينج كريجر (Dunning-Kruger)”، وهو نزعة الشخص إلى المغالاة في تقدير براعته وإمكانياته نظرا لكونه موهوما بالتفوق. وبعيداًعن هذا التحيز، فإن إشكالية فهمنا لحدود قدراتنا من الطبيعي أن تلقي بظلالها على علاقتنا بالعملية التعليمية.

هكذا ندرس بطرق لا تؤتي ثمارها، كأن تعيد قراءة النص بشكل متكرر إلى أن يصبح مألوفا، إلى حد تظن معه أنه علق في ذاكرتك وأنك أتقنت دراسته، وهو ما يردّه علماء النفس إلى عدم وعينا بالاختلاف بين التذكر والدراسة، فالتفاوت هنا هو أنه عند استذكارك بهذه الطريقة تكون المادة أمام عينيك، فيتهيأ لك أنك قد أتممتها، بيد أن ذلك لا يشترط بالضرورة أنك ستتذكر هذه المعلومة في سياقات أخرى كالامتحان، ويعني بالتبعية أن هذا النهج قد لا يكون صالحا لاعتماده بوصفه أسلوباً دراسياً.

في هذا الشأن يضع الباحث “بول بين” في كتابه “سيكولوجيا الدراسة الفعالة: كيف تنجح في دراستك (The Psychology of Effective Studying: How to Succeed in Your Degree)” أولى قواعده: “التعلم ليس ما تعتقد أنك تعرفه، إنه ما يمكنك إثبات أنك تعلمه، وهذا ما يهم”

في إحدى الدراسات، أفاد 80% من الطلاب الجامعيين عن عدم تلقنهم مطلقا كيفية الدراسة، يبدو الأمر إذن كأنه من المسلّمات، إلا أنه يصعب على الطلبة استبدال روتينهم الدراسي الذي تكوّن على مدار وقت طويل، حتى وإن أدركوا أفضل الإستراتيجيات الممكنة فقد لا يتمكنون من مواصلة تبنيها.

 

لنواجه الحقيقة، تلك المناهج التي لا تؤتي ثمارها للدراسة هي ما تجعل عملية التعليم أمراً ثقيلاً على النفس، مهمة شاقة علينا تحملها وأداؤها وأن نفعل ذلك على أكمل وجه. لكن في محاولة للوعي بإستراتيجيات التعليم السليمة، قام أستاذ علم النفس “ستيفن تشيو” بالتحدث مرارا في كل حفل دراسي إلى طلاب السنة الأولى حول ذلك الموضوع، لكنه لم يلمس تغييرا حقيقيا ولم يرَ أثرا لكلماته، يقول: “نسي الطلاب تفاصيل المحاضرة، وارتدوا إلى عاداتهم القديمة تحت ضغط الفصل الدراسي”.

مع ذلك، يثق علماء النفس الإدراكيون والتربويون بوجود طرق قد نتّبعها لتحسين فاعلية الدراسة والاستمتاع بها والوعي بإستراتيجيتها.

ماذا أفعل كي أدرس بفعالية؟

  • أولاً: اجعل فترات راحة جزءا لا يتجزأ من ساعات دراستك

باعد بين جلسات استذكارك ووزعها على فترات زمنية، خاصة إذا اقترب موعد الاختبار، وذلك بأن تعيد النظر إلى فصل من المقرر الدراسي كل 3 أيام، وتخصص مقدارا من الوقت ومواعيد محددة للمذاكرة وموقعا هادئا. كما تشير الأبحاث العلمية في نطاق علم النفس منذ نهايات العقد الـ19 إلى أن تجزئة الوقت المخصص للدراسة وجعله على عدة جلسات أكثر فاعلية من الجلوس مرة واحدة لساعات مديدة. فبدلا من الدراسة 6 ساعات متواصلة، قَسِّمها.

يُستدَل بذلك بنظرية “تأثير التباعد (Spacing Effect)”، وهي ظاهرة تحدّث عنها عالم النفس “هيرمان إبنجهاوس” مفصلا، تدعم أفضلية فصل أوقات الدراسة وقتيا، وتؤكد أيضا على عدم جدوى تكديس المعلومات الدراسية في الساعات التي تسبق الامتحان وعدم تحصيل ولو قدرا ضئيلا من الاستفادة من ذلك.

لذا، فإن إعطاء نفسك فترات قصيرة من الراحة من شأنه مضاعفة تركيزك. فبتوجيه انتباهك بشكل متواصل نحو نقطة محددة قد يجعل أدمغتنا تقلل من أهميتها(10). من هنا، ولتحفيزنا وتنشيط أجزاء الدماغ التي نحتاج إليها للانتباه في مهامنا وجعلنا أكثر إبداعا وأقل تشتتا، اقتُرحت تقنية “بومودورو” التي تدعو إلى تشغيل تنبيه تعمل فيه لـ25 دقيقة ثم تستريح 5 دقائق، وتعود مجددا لـ25 دقيقة، وهكذا إلى أن تكمل هذه الدورة 4 مرات فتستحق وعن جدارة أخذ استراحة طويلة نسبياً.

  • ثانياً: تخلَّ عن كل ما يشتت انتباهك

اصرف عنك كل ما من شأنه أن يتسبب في إلهائك، ضع هاتفك بعيدا عن متناول يديك خلال دراستك، أو اجعله على وضع الصامت وأغلق الإشعارات حتى تنتهي، أو ضعه ببساطة على وضع التركيز. وصمم على ألا تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي إلى حين إنجازك ما تريد. في حال واجهت صعوبة في التركيز يمكنك الاستعانة بأحد تطبيقات التركيز في الهواتف الذكية.

  • ثالثاً: ادرس بطريقة نقدية

فكّر في المقرر بشكل نقدي، ترمي من خلاله إلى فهم وتحليل المواد، وذلك بأن تتوقف لوهلة أثناء القراءة أمام جزء من النص وتسأل سؤالا يبدأ بـ”لماذا” أو “كيف” أو هل ما فهمته يحتمل الصواب والخطأ؟ إذ يمكننا أن نتعلم الكثير ونثبت المعلومات من خلال طرح الأسئلة والإجابة عنها(11)(12)، وهو ما يطلق عليه علماء النفس بالاستجواب التفصيلي، ما له تاُثير على تذكرنا للمعلومة.

أكدت الأبحاث أن هذا سيعينك على تذكر الحقائق ويحثك على الاستفادة من الحيثيات والمعطيات والمعلومات الجديدة التي تلقيتها بجانب معرفتك المسبقة، محسنا من ذاكرتك في اكتساب حقائق جديدة وربطها بمفاهيمك وبالخط المعرفي لديك، وبناء استنتاجات وتحاشي القراءة بلا هدف وإجبار نفسك على التركيز.

بعد أن تقرأ موادك بتؤدة، قيّد ملاحظاتك ولخّص ما توصلت إليه من نقاط رئيسية وفرعية وما لديك من أسئلة تحتاج إلى إجابة لاحقة من زملاء دراستك وأقرانك أو مدرسيك، وسجّل ما فهمته من نظريات أو خلافه تبعا لفهمك الصحيح، تأكد أيضا من كتابتك ملاحظات أثناء المحاضرة والعودة إليها لاحقا أو حتى بتسجيلها وتفريغها فيما بعد.

  • رابعاً: ألقِ محاضرة على نفسك أو على جمهور حقيقي أو تخيلي

هل سجلت ملاحظاتك؟ فلتكرر بعدها بصوت عالٍ ما تعلمته/درسته للتو كما لو أنك تلقي محاضرة حول الموضوع. استعن بكلماتك الخاصة في شرح ما استوعبت، وإنْ تعثرت أو أسقطت شيئا ما أو واجهتك أي صعوبة فاعلم أن ذلك هو جزء لا بد منه في عملية التعلم، جزء سيدلك على النقاط التي لم تهضمها بعد، دافعا إياك إلى مراجعتها.

إذ تُجمع الدراسات على أننا في المعظم نميل إلى تذكر الأمور عند انشغال أكثر من حاسة لدينا. وهكذا فإننا حين نقرر إلقاء محاضرة على أنفسنا أو على جمهور حقيقي أو تخيلي فإننا نجمع حاستَي الرؤية والسمع والكلام. وإن وجدنا شخصا ما بإمكاننا التوجه بالشرح إليه من صديق أو قريب فسنعلم حينئذ مدى فهمنا، خاصة إن شجعناه على سؤالنا حول ما يلتبس عليه، فسيُثرِي ذلك النقاش مما تلقنته وما تفعله.

  • خامساً: اختبر فهمك

اختبر مقدار فهمك لما تعلمته، واستفد قدر ما استطعت من الاختبارات القصيرة التي ينظمها المعلمون، أو الموجودة في المناهج الدراسية أو حتى في تطبيق مثل “Quizlet”. يقول أستاذ علم النفس بجامعة ولاية أوريغون “ريجان جورونج” إن الاختبارات مجدية وإنْ أجاب الطلاب فيها بشكل غير صائب، فأن “تحاول وتخفق أفضل من عدم المحاولة على الإطلاق، لأن مجرد محاولتك لاستدعاء شيء ما يساعد على ترسيخه في ذاكرتك.

في 9 دورات تمهيدية في علم النفس، قام “جورونج” -بمعاونة مجموعة من الباحثين- بفحص أهمية الاختبارات القصيرة من خلال تجربة، طلب من بعض الطلبة أداء الاختبارات مرة واحدة، وطلب من مجموعة أخرى خوضها عدة مرات، بينما منح بقيتهم موعدا نهائيا لإنهاء حل هذه الامتحانات دفعة واحدة، ليجدوا أن الطلبة الذين أجروا اختباراتهم على دفعات وعلى فترات زمنية متباعدة هم من أدوا أداء أفضل.

بيد أنه، وإن أثبت فاعلية تلك الإستراتيجية في الدراسة، فإن أستاذ علم النفس “نيت كورنيل” نظر إليها بتشكيك، متسائلا إن كان الطلاب سيحبذونها، فحال معظم الناس -كما فكّر- لا يحبون أن يدركوا فهمهم الخاطئ للأمور، فأتى بإستراتيجية بديلة، وضع فيها حرفاً أو حرفين مفتاحيين لِيُعِين الطلبة على التذكر.

لتظهر النتائج تفضيل غالبية الطلاب الاختبار الذاتي عن إعادة الدراسة، وأن أداءهم فيها كان أفضل. كما أن إجاباتهم الصحيحة قد حفزتهم للدراسة، ليتنبأ كورتيل أنه بتطبيق إستراتيجيته سيعزز ذلك من العملية التعليمية ككل، والأمر سيان في حال اقتصر ذلك على الامتحانات أو في سياقات أخرى مقاربة لها.

 

  • سادساً: ادرس أحياناً قبل النوم

لا غنى لنا عن النوم، ولا خلاف عن مدى أهميته لوظيفة الدماغ وللذاكرة والتعلم، لذلك فإن الدراسة أو المرور على ما استذكرناه قبل أن نخلد إلى النوم سيساعد على تحسين تذكرنا، وذلك بحسب الباحث في جامعة يورك “سكوت كايرني”، الذي عبّر عن ذلك بقوله: “نحن نتعلم أشياء جديدة ما دمنا متيقظين، فتقوم عقولنا بتخزينها عند النوم ليسهل استعادتها عند الحاجة إليها. ليس ذلك مهما فحسب في كيفية التعلم، وإنما أيضا في كيفية حفاظنا على وظائف أدمغتنا الصحية”. هكذا ينصح باستذكار الدروس قبل النوم بساعات قليلة ومراجعتها في الصباح التالي. لا يعني ذلك عدم الحصول على قسط وافر من النوم، على العكس، فإن أخذ كفايتك من الراحة ضروري للدراسة.

 

  • سابعاً: اختر النهج الذي يناسبك وكافئ نفسك

قرر النهج والمسار الذي يناسبك للدراسة، في حال آثرت استذكار دروسك في مجموعات، فذاكر وحدك أولا ثم انطلق إلى مجموعتك وحاول تحقيق أقصى استفادة ممكنة. وسواء فضّلت الاستذكار وحدك أم في جماعة فاتبع الطريقة الأنسب لك لتلقي المعلومة، كتابةً كانت أم سماعا أم بالنظر أم بجميع ما سبق.

يحدث أن يستغرق الأمر وقتا للانضباط والدراسة بفعالية، لذا ضع نصب عينيك مكافأة ما تنالها كلما أحرزت تقدما أثناء الدراسة، وبهذه الطريقة ستبقى محفزا، كأن تتمثل هذه المكافأة في تمشية أو نزهة صباحية أو مسائية، في مشاهدة حلقة من مسلسل تتابعه، أو الاسترخاء، أو في تناول طعام تحبه.

أدوات ستساعدك

  • أداة (1): تطبيق “focus Keeper”

يتهيكل هذا التطبيق على تقنية بومودورو، التي تعتمد على التركيز لـ25 دقيقة قبل أن تحصل على استراحة لمدة 5 دقائق.

 

  • أداة (2): استراتيجيات بول بن حول سيكولوجيا الدراسة الفعالة

“The Psychology of Effective Studying book”، كتاب “سيكولوجيا الدراسة الفعالة” لـ”بول بن” الذي تحدث عن بعض إستراتيجياته التي وضعها فيه في هذا الفيديو:

ثم في سلسلة فيديوهات يبلغ طولها نحو 7 دقائق، متطرقاً للمفاهيم الخاطئة الشائعة حول الدراسة، وكيفية تحسين فاعلية التعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock