كتاب أكاديميا

وزير التربية.. يا ليبرالي!

144201511092

قبل أن أبدأ ، وجب القول أنني أعمل في قسم هو من دواعي فخري واعتزازي العمل فيه، ففيه الكويتي والوافد ، القبلي والحضري ، السني والشيعي ، ومن يطلق عليهم بالعجم ، فيه حملة الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه ، مع أنها مسميات لا تعني لنا شيئًا، فالكل يعمل فيه بتعاون وإخلاص ، بلا فروق طائفية أو قبلية، نحن أسرة واحدة تجمعنا خدمة الكويت أولاً وأخيرًا.
وذلك للعلم ، فلنبدأ.

في لقاءٍ طويل أجراه وزير التربية والتعليم العالي د. بدر العيسى في جريدة القبس بالأمس الموافق 13/4/2015 ، تحدث فيه عن العديد من الهموم في وزارة التربية والجامعة والتطبيقي، أغلبها هموم نتذمر منها جميعنا في الكويت ، وقد نوافقه في بعضها ونتخلف معه في الآخر، والمجال مفتوح دائمًا للنقد. بالنسبة لي، وافقته في كثير من الأمور، منها أن جامعة جابر وجامعة الشدادية لابد أن يكونا جامعتين جديدتين ، وألا ننقل لهما الجامعة أو التطبيقي ، فنحن بحاجة لجامعات حكومية جديدة بقانون واحد تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلبة وتفتح باب التعيين للكويتيين المؤهلين وتقلل من هيمنة الجامعات الخاصة الربحية. وأحييه على شجاعته لفتح ملفات ” لم يرغب أحد بفتحها” ومنها التسيب والفساد سواء الإداري أو المالي، وكذلك ملفات التعليم الخاص والبدون وغيرها. واختلفت معه في أمور أخرى منها فصل التطبيقي وموضوع “تنقية منهج التربية الإسلامية في مايتعلق بالتطرف والآيات والأحاديث التي تدعو بهذا الجانب”. فالتطرف ليس من تعاليم الإسلام ، والخلل فينا وليس في الإسلام ، في سوء فهمنا وتأويلنا المزاجي للآيات القرآنية والأحاديث ، وبدل “تنقية المناهج” ، كما أسمها الوزير ، فلنركز على تفسيرها الصحيح والسياق الذي أتت فيه والأحداث التي نزلت بشأنها ، وذلك بإعادة كتابة المنهج أولاً ليكون واضحًا لا لبس فيه ، وبتعليم المعلمين التفسير الصحيح وترك تأويلها. فمن الخطر عزل ما لا يعجبنا من القرآن والسنة بعذر عدم فهمها، لأن ذلك سيفتح المجال لزعزعة الإيمان ولربما التطرف في المستقبل عندما يختار الطالب أن يُفسر القرآن والسنة على هواه لأنه لم يتم تثقيفه بها في المدرسة. وقد تابع الوزير: “ولمسنا أن المناهج معظمها كان يركز على التفسير السلبي”، وأأيده في ذلك أيضًا، فللأسف نحن نتبع التخويف والترهيب في تدريس تعاليم الإسلام قبل أن نجرب الترغيب والسماحة: نقوم بتخويف الطفل من النار إن كذب ، ولا نحببه في الجنة إن صدق ، متناسين أن الله هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون القوي العزيز.

للأسف ، كان لقاء الوزير حافلاً بالقضايا التي تستوجب الوقوف عندها ، لكن لم يقف عندها أحد ، فلقد وضعت القبس اللقاء تحت عنوان “العيسى لـ القبس: «التطبيقي» مخطوفة من «الإسلاميين» و«القبليين»”، ولا أعلم لم اختارت القبس هذا العنوان بالذات فلم تكن هذه كلمات الوزير أصلاً، ولكن هذا موضوع آخر. الموضوع الأساسي أنه وقبل أن يجف الحبر على ورق الجريدة، تسبب هذا العنوان في زخم هائل ضد الوزير ، لم ننتقد قراراته الإدارية ولم نفند خطواته للإصلاح ، بل توقفنا عند العنوان وهجمنا. اتهموه أولأ بالفئوية والعنصرية و تمزيق الوحدة الوطنية (ويالها من وحدة وطنية هرمت من كثرة استخدامها لضرب أي قول لا يعجبنا)، طالبوا الحكومة بإقالته ومحاكمته ، ثم شكَوه للنائب العام. الواضح أننا شعبٌ عاطفي، نأخذ الأمور بشخصانية ، ولا نستطيع التخلي عن نزعاتنا أيًا كانت. والمزعج في الموضوع أنه لم يتوقف أحد من المهاجمين لكي يقرأ اللقاء ، قرأ العنوان وانفعل ، ثم قرأ سطري تعديل المناهج فثار أكثر.

في الحقيقة لا أعرف من قصد الوزير بتفشي القبلية إن كانت بين الطلبة أم العاملين في التطبيقي، ولكن لمن لا يعلم ولمن يعلم ويكابر: يوجد لدينا في التطبيقي على الأقل إحدى عشر لجنة طلابية ، تتبع كل منها قبيلة أو فئة معينة في المجتمع تعمل كلجان فرعية للقوائم الطلابية (ما عليك إلا كتابة “لجنة paaet” في البحث في تويتر لكي تتعرف عليهم) ، وقد كانوا حتى وقت قريب جدًا يعلنون عن فعالياتهم الخاصة بلجنة القبيلة بلوحات كبيرة في أنحاء حرم التطبيقي. لا عيب أبدًا أن تفخر بانتمائك ، لكن أن تعزل باقي الطلبة الكويتيين حتى من القبائل الأخرى (ولن أتطرق لباقي الطلبة الغير كويتيين) وتخدم فئة واحدة فقط لأنها من قبيلتك؟ تلك هي العنصرية بعينها وهذا هو ضرب الوحدة الوطنية.

ما لا يفهمه البعض أن فئات المجتمع كلها كويتية والمفروض أن تخدم الكويت، وبدل أن نمحي هذه المسميات ما زلنا نفزع لانتماءاتنا القبلية والطائفية ، ونجد من يقول: “إذا مو عاجبك قبائل الديرة ولا الدين الإسلامي ، هاجر يالكويتي”، ومن يقول في المقابل: “خلوا إيران والعراق علي ، خافوا من السعودية”. ستزيد الفرقة بيننا لأننا نضرب على وتر الوحدة الوطنية الزائف ونحن لا نعمل لأجله. متى نعي أن الامور لا تؤخذ بالهجوم؟ فلا أحد معصوم ، ولا أحد كامل ، وأولهم المسؤولين. كيف لنا أن نصلح ونحن لا نعطي الفرصة للنقد والحوار؟ كيف لنا أن ننبذ الطائفية والقبلية ونحن ننادي الوزير “يا ليبرالي” نحن القبليين والإسلاميين أفضل منك، وكأنها حرب بين أحزاب سياسية وليست قضية تربية تعليم؟

المضحك أننا نطالب بحرية الرأي ونحارب لأجلها ، ونرفض تكميم الأفواه ونسعى لفك قيد سجناء الرأي، ولكن إن مسنا القول، طالبنا بمسحه وإخراس قائله. من أين لنا التقدم والعدالة ونحن نكيل بمكيالين؟

د. إقبال الشايجي
كلية العلوم الصحية
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock