كتاب أكاديميا

“السيلفي” جنون إيجابي مميت

2532015204

في عام 2013 أعلن قاموس أكسفورد العريق ادراج كلمة سيلفي أو Selfie”” ضمن الكلمات الجديدة في قاموس اللغة الإنجليزية كأهم كلمة في العام حيث زاد استعمال هذه الكلمة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بنسبة 17,000 مرة عن السنة التي سبقتها. كما أعلنت الرابطة الأمريكية للطب النفسي (APA ) رسميا أن إلتقاط صورة ‘ selfie ‘ تدلّ على اضطراب عقلي. جاء هذا التصنيف خلال مجلس APA السنوي لاجتماع المديرين في شيكاغو. وسميّ هذا الاضطراب النفسي ” selfitis”، أي الرغبة القهرية في إلتقاط صور للذات ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعية كوسيلة للتعويض عن شعور بنقص وفراغ في العلاقة الحميمية أو لعدم شعور المريض بالثقة بالنفس

والسيلفي باختصار هي ظاهرة تصوير الشخص لنفسه وهي ليست ظاهرة جديدة فأول صورة سيلفي قد يعود تاريخ التقاطها إلى عام 1917 حيث قام مصور استرالي بوضع كاميراته الكوداك القديمة أمام المرآة ليصور نفسه بالملابس العسكرية ولكنها كانت آخر صورة له حيث ذهب إلى القتال بالحرب العالمية الأولى وقتل هناك. إن الانتشار الواسع لظاهرة السيلفي في مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب انتشار الهواتف الذكية المزودة بالكاميرات الدقيقة وذات التصوير عالي الجودة ساعد على انتشار هذه الظاهرة حيث غدت فلسفة تعكس انشغال الانسان المعاصر بها.. فقد أخذت حيز كبير من اهتمام الناس واعتيادهم على توثيق لحظات سلفية لهم في أماكن وأزمان وأوضاع ومشاعر مختلفة وهذا لا يخص عامة الناس فقط بل صفوة المجتمع كذلك من المشاهير بل وصل للسياسيين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما وملكة بريطانيا وبعض وزراء الغرب والعرب. والغريب بالأمر هو هذه الظاهرة من وجهة نظر جماعة علم النفس……فقد أرجعها الغالبية منهم إلى ما يطلق عليه مصطلح الفردية والأنانية وحب الذات السلبي والتفاخر بالنفس…فكثيراُ ما يسعى ملتقط السيلفي إلى الحرص على الظهور بأفضل الهندام بل ويحرص الكثيرين على أن يصوروا مقتنياتهم الباهظة الثمن من حقائب وساعات وأحذية أما النساء فيلتقطن السيلفي وهن بكامل زينتهن ومكياجهن أو بأوضاع مخلة أحياناً …يرى الاختصاصيين النفسانيين أن هذه الظاهرة مؤشر لحالة ادمان ناتجة عن تعويض النقص في محبة واعجاب الآخرين….فكلما حصلت الصورة على لايكات أو ريتويتات أكثر كلما فسرها ملتقط السيلفي بإعجاب الآخرين به..وهي قد تفسر بالرغبة بالأبدية وبقاء الصور المميزة خالدة بالذكرى. إن ربط الاختصاصيين النفسانيين لهذه الظاهرة بالاضطرابات النفسية قد ينبع من الخوف من أن تتجاوز هذه الظاهرة حدود المعقول والإدمان.. حيث أن خطورة مثل هذا الادمان هي بأن يصل الأمر إلى حالة مزمنة أمام الرغبة الجامحة للشخص بتصوير نفسه على مدار الساعة ومشاركة الصور في المواقع الاجتماعية والتي قد تصل إلى عدة مرات في اليوم و بشكل مستمر. وهو ما قد يرتبط بنوع من النرجسية المرضية وقد أشارت دراسة حديثة أن الغريب بالأمر أن هذا الإدمان يصيب الرجال أكثر من النساء فتصل نسبة مدمني السيلفي الى 17% في صفوف الرجال بينما لا تتعدى 10% في صفوف النساء… ولعل جانب الخطورة هنا يتمثل أيضاً في حرص الشخص على أن يكون ما يشغله في هذه اللحظات السلفية أن يحصل على أغرب وأحلى صورة غير آبه بتعريض نفسه للخطر فمرة نشاهد أحدهم يصور أمام ثور هائج وآخر يلتقط صورة في مقاتلة جوية حربية على ارتفاع 30 ألف قدم وآخر يصور وهو يقود سيارته أو وهو يقوم بلعبة خطرة….الادمان على السيلفي هنا من وجهة نظر بعض علماء النفس ليست مجرد حالة إدمان على التصوير الذاتي بل تتعداها إلى ما يترتب عليه الأذى والإصابات التي يصاب بها الشخص عند التقاط السيلفي في أوضاع خطرة من تأثيرات وعواقب نفسية منها الاكتئاب ومحاولة إيذاء النفس نتيجة الحوادث والتشوهات مثال على ذلك سقوط الفتاة الإيطالية من مكان مرتفع كانت تلتقط به السيلفي فأدى إلى إصابتها بكسور أدت لوفاتها أو حادثة الزوجين اللذان لقيا حتفهما عند التقاط لحظات سلفية من قمة جبلية عالية تاركين أربع أطفال في عهدة دار الأيتام.. أوذاك الذي غرق وهو يلتقط سيلفي له تحت الماء..ولعل أبرز أضرار السيلفي هو ازدياد المدمنين على السيلفي على الاقبال على عمليات التجميل وذلك لحرصهم الظهور بأجمل صورة أمام المعجبين وحصول نسبة من التشوهات نتيجة لأخطاء عمليات التجميل….نضيف إلى ذلك الزيف والخداع الذي يلجأ له بعض ملتقطي السيلفي بإعطاء صورة مختلفة خلقياً وأخلاقياً عنهم للآخرين.

ومن وجهة نظري .اعتقد الحرص الشديد من قبل الأشخاص للحصول على زاوية مثالية لتصوير أنفسهم ضمن ظاهرة السيلفي هو بالأساس طبيعة بشرية وحب للذات جبل عليه الانسان وهو أمر لا ضرر فيه إذا لم يتجاوز حد الإدمان أو الزيف والخداع. التقاط صورة السيلفي هي اعلان وجود واهتمام نفسي منقبل الشخص بنفسه..هذا قانون هوية إنسانية قديم منذ قدم البشرية ” أنا هنا.. أنا موجود” ولكن السيلفي قدم لهذا القانون دعماً إضافياً فقط…أن السر ليس بهوس السيلفي انما بما تقوله صورنا السيلفية للآخرين ..نحن كنا هنا.. نحن رائعون وعفويون وسعداء ومغامرون.. انها الانعكاسات الإيجابية لمشاعرنا ولحظاتنا الرائعة على نفسياتنا..هي حب الذات الإيجابي والاهتمام بالشكل والهندام الغير مبالغ فيه ..السيلفي محاولة تضاف إلى محاولات الإنسان للعثور على أفضل الطرق لـتأبيد ذاته وحبها فبعدما كان يكتب اسمه على الجدران وأبواب البيوت ويسجل صوته ويحتفظ بمقاطع فيديو للحظاته المهمة.. ها هو يواصل التقاط صوره إلى ما لا نهاية و توثيق لكل لحظاته ومناسباته الخاصة وبكل متعة.. لا أرى السيلفي أنانية وفردية..هو في نظري فن مستمر يصور فن الحياة اليومية. ونوع من أنواع التواصل الاجتماعي واعتقد أن صور السيلفي قد يفسر بأنه تعبير للشخص عن نفسه ووجهة نظره وكذلك زيادة ثقة الشخص بنفسه بالوقوف أمام الكاميرا والتعبير بمشاعره وبحديثه عن نفسه ..ثم أن مثل هذه الصور لم تعد للذين يتأنقون ويرتدون أحسن ملابسه ليصوروا أنفسهم فالشخص يصور نفسه في كل وقت وبأي هندام وبلحظات متعددة..وقد يكون عصر الصورة الجميلة قد انتهى بالفعل.. فالمهم هو توثيق اللحظة الجميلة..قد يكون لظاهرة السيلفي من وجهة نظري سمة الإيجابية في مشاركة الكثير من المنعزلين والذين يشعرون بالوحدة بمشاعرهم وصورهم مع الآخرين ويكون لهم نصيب التشجيع في ذلك وقد يساهم السيلفي بتحسين فكرة الشخص عن شكله ومظهره(Self-image (فيشعر بمزيد من الرضا النفسي وحب الذات. لذا السيلفي متعة تسهم بمنح الفرد إيجابية نفسية ولكنها مميتة إذا أصبح الهدف التقاط صور بتهور وبهدف الخداع.

د. دلال عبد الهادي الردعان

عضو هيئة تدريس في كلية التربية واستشارية نفسية

عضو محترف في الجمعية الأمريكية للإرشاد النفسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock