الإستثمار البشري والإحتراف التدريبي كتب : د. داود جوهر
واقعنا في دول العالم الثالث واقع أليم ،، حجزنا له مقعداً تحت خط الصفر بكل قناعة وجدارة ،، بالرغم أنه لم ينقصنا شيء ،، وحينما تطورنا بلغنا مرحلة التيه الذي يرى كل شيء حوله دون أن يجني منها شيئاً ،، متلازمين مع المُصاب بالفالج ذو العقل السليم ..
وحيث أن التعليم أحد أولويات كل بلد إن لم تكن تلك الأولوية هي الأولوية المطلقة التي يتميز بها أعم دول العالم الغربي وأغلب دول العالم الشرقي ..
ومن هنا قد نتساءل !! ماذا نريد تحديداً ؟؟
وما الذي نتمنى أن نسعى إليه لنكون في مصاف دول الركب ؟؟
فإذا كانت الأنظار تتجه نحو منظومة التعليم باعتبارها الأهم والأسهل ،، فالأهم لكونها ركيزة البلاد الأساسية ،، والأسهل لأن لنا تاريخاً مشرفاً وخبرات سابقة حينما كنا نتسيّد العالم .. وأكررها حينما !!
ولنتساءل من جديد !!
كيف نرتقي بتلك المنظومة التي لازلنا نحتفظ بقطع غيارها المتبعثرة هنـا وهناك ،، نُهبت منها أشياء ،، ونُثرت أشياء ؟؟
ففي الخطوة الأولى ..
باعتبار أن التعليم أحد خيارات التطوير المجتمعي ،، ولن نستطيع أن نخطو خطوة إلاّ بالقيام بعملية الإستثمار البشري في تلك النقطة تحديداً ،، وفي واحدةٍ من عمليات الإنقلاب التعليمي ..
نبدأ باختيار التدريب في منظومة التعليم تمهيداً لاستثماره من خلال تطوير الأساليب التعليمية إلى أساليب تدريبية ،، والتي من الطبيعي أن تفوق تكلفتها تكاليف التعليم ..
ثم نضع اللّبنة الأساسية بتحويل المناهج الدراسية Methodology إلى مناهج تدريبية ،، وإستخدام طرق تدريس تدريبية Coaching مع وضع البرامج التدريبية اللازمة ،، من خلال برامج معدة لها مسبقاً ،، بحيث تنال الإحتراف والإعتراف العالمي ..
هذا الإعتراف يعتبر بمثابة برامج تنفيذية يتم تطبيقهـا باستخدام منظـور حديث في عمليـة التعليم ،، وتطبيق أحدث مفاهيم تكنولوجيا التعليم والحقائب التكنولوجية التدريبية ،، بحيث يتم تطبيق نظام الحصص والمحاضرات النموذجية لكل موضوع على حِده وفي كافة المقررات والمناهج التعليمية من مرحلة الرياض إلى المرحلة الجامعية ،، وفق بيئة تدريبية ..
وبمعنى آخر .. إسناد موضوعات المناهج والمقررات الدراسية بحقيبة تدريبية لكل موضوع على حِده ،، مع القيام باختيار مدربين من أصحاب الكفاءات العالية والخبرات الواسعة ..
لنأخذ منهج اللغة الإنجليزية للصف الـ 8 على سبيل المثال ..
نلاحظ أن هذا المنهج يتضمن عدد 40 موضوع رئيسي تقريباً ..
فعليه .. يجب أن نرتب الأمور بتجهيز 40 حقيبة تدريبية بواقع حقيبة واحدة لكل درس على حِده ،، على أن تتضمن الحقيبة الواحدة ( برنامج P. P ـــــ بوسترات تعليمية ـــــ رسوم توضيحية ـــــ لوحات ستاند ـــــ مجسمات تدريبية ـــــ شرائح شفافة متراكمة ….. )
يستعين المدرب بالحقيبة التدريبية رقم 1 لموضوع الدرس رقم 1 ،، حتى مرحلة انتهاء درسه بالكامل ،، ومن ثم يستعين به زميله بنفس المرحلة على أن يتم إرجاع العهدة إلى أخصائي تكنولوجيا التعليم في المؤسسة لحفظه التصنيفي للإستحقاقات القادمة ..
وهكذا يتم تطبيق الحقيبة التدريبية على كافة المناهج في المرحلة الدراسية برمّتها ؛؛ وبمشاركة الجميع ،، فالوزارة تزود المدارس ،، والمدربين ومصممي تكنولوجيا التعليم يقومون بالإنتاج ،، إضافة إلى مشاركة أولياء الأمور والطلبة أنفسهم ،، مع تجهيز القاعات الدراسية على مستوى عالٍ ،، ووفق منظومة تكنولوجية ..
أما فيما يخص المعلمين فيتم تهيئتهم تدريجياً من خلال دورات تدريبية مكثفة لتحويلهم إلى مدربين أكفاء ،، تمهيداً لتطبيق الأمر على الكليات والمعاهد والجامعات مستقبلاً ،، بحيث تتم النقلة النوعية من تحويل العملية التعليمية إلى عملية تدريبية ..
وللوقوف على مدى نجاح تلك العملية التدريبية علينا أن نقوم بعملية التقييم التدريبي لمتابعة مدى تحقيق جملة الأهداف التدريبية ،، حيث تتحقق تلك الأهداف التدريبية من خلال قياس أثر التدريب على سلوك المتدرب ،، وبذلك علينا تقصي الأثر ،، باعتبار أن نهاية التدريب هو الأثر ،، مع ملاحظة مدى التحسن والتطور ،، والحد من الأخطاء ..
وهل يستحق ما بُذل من جهد ووقت وتكاليف من أجل تلك البرامج ؟؟
وفي الخطوة الثانية ..
نقوم باستثمار تلك النتائج التدريبية بطريقة أكاديمية ومنطقية ..
ونعني بالإستثمار تطبيق ما تعلمناه من المدرب السابق وتقديمه للمتدربين القادمين ،، مما يسبب بلوغ مرحلة التطوير تدريجياً للمتدرب والمدرب أو حتى مصمم تكنولوجيا التعليم ،، مع ضرورة مقارنة نتائج التقييم بالتقييمات السابقة وهو ما يسمى بنظام التدريب المؤسسي ..
وأخيراً في الخطوة الثالثة ..
نبدأ العمل على قدمٍ وساق بعملية تطبيق الإحتراف التدريبي داخلياً ومن ثم خارجياً ..
حيث تنهال العروض على المدربين والمصممين الأكفاء من المؤسسات التعليمية ..
فعلى سبيل المثال ..
إذا كان هناك مدرباً متميزاً في أدائه التدريسي ،، يتقاضى راتباً شهرياً 1500 د.ك ،، تقوم مؤسسة أخرى بتقديم عرض ،، بموجب عقد مدته سنتان قابل للتجديد بإضافة مبلغ 500 د.ك على راتبه من قبل الإدارة أو المؤسسة أو الجامعة ،، الأمر الذي سيسعى إليه زملاءه وانتظارهم للترشيح بعد تطوير أدائهم باقتدار ،، وهكذا …
وينطبق هذا الأمر على الإداريين وأخصائي تكنولوجيا التعليم في المؤسسة التعليمية ..
وتبدأ عملية تحويل المجتمع المدني إلى مجتمع نصف تدريبي إن صح ( تدربه المجتمع ) ..
ومع تحقيق الإكتفاء الذاتي ،، نبدأ بتصدير هذا الإستثمار البشري للخارج بعد تلقي العروض الخارجية من الدول الأخرى ،، لتبدأ مرحلة جني الأرباح في سابقة لم تكن وليدة اليوم ..
وبذلك تكون عملية الـ Coaching هو البديل التدريسي القادم بقوة ،، لعلنا نكون الدولة رقم 49 التي قامت بتطبيق منهجية التدريب ..
قامت المملكة الأردنية بتطبيق تلك المنظومة بكل اقتدار ؛؛ وهي دولة لا تمتلك أية موارد أو نفط أو حتى ماء ،، حيث قامت باستثمار البشر لديها ومنها إلى استثمار التعليم ،، لتعيش بشكل طبيعي ومتطور بسبب العائد عليها من الإستثمار الخارجي ..
من وجهة نظري الشخصية ..
أعتقد أن الأمر لا يتجاوز السنتين من العمل الجاد والمثمر للإنتقال التدريبي وتأصيل المناهج التدريبية وفق الأهداف التدريبية ..
وإذا كانت وزارة التربية والقائمين عليها وزملاء المهنة في عموم المراحل الدراسية على درجة كبيرة من تحمل المسئولية ؛؛ فإننا بحاجة فقط إلى 7 سنوات للبدىء بعملية التصدير والإحتراف التدريبي الخارجي بداية إلى دول الخليج ..
كتبت وفي العين قذى وفي الحلق شجى على مقعدٍ ترتكز قوائمه الأربعة تحت خط الصفر كما أشرت في بداية المقالة ،، ولعلني تكيفت مع واقع التيه الذي لازمته ولازمني 3 أجيال عجاف ؛؛ وإنني على علم بأن تلك الدراسة والأمنية ستكونان في مهب الريح مع أول سلة مهملات تنتظرها ؛؛ وليس العتب هنا ،، حيث اعتدنا هذا الأمر بامتياز وعرفان ؛؛ ولكن العتب حينما تنتقل الدراسة والفكرة إلى دول أخرى ويتم تطبيقها بنجاح باهر ثم نكون آخر من يبعثوا لنا بمدربيهم المحترفين بعد التوسل والرجاء ووفق عقود مشروطة لا تقبل القسمة فيها على اثنان ..
داود عبدالله جوهر
عضو هيئة تدريب / مدرب دولي معتمد
كلية التربية الأساسية