كتاب أكاديميا

خريطة الطريق لاعتماد الشهادات الكرتونية

Drbinnkhi

في فجر أول أمس الثلاثاء جاءني اتصال هاتفي من أحد أعضاء مجلس الأمة ليخبرني بأن تنسيقا تم بين الحكومة وبين بعض أعضاء البرلمان بشأن تمرير اعتماد الشهادات الكرتونية في شهر مايو المقبل. فتساءلت عن موقفه من ذلك الاتفاق، فرد بأنه سيبقى على موقفه المعارض لاعتماد الشهادات الكرتونية، ولكنه من باب الشفافية معي أوضح لي بأن موقفه السياسي ضعيف لعدم توفر أدنى دعم برلماني إن أراد التصعيد ضد وزير التربية والتعليم العالي، فضلا عن توقعه بأن تلجأ الحكومة إلى رفع سعر سلعة أساسية (كالكهرباء أو الماء أو البنزين)، بعيد البدء باعتماد الشهادات الوهمية، ليشغلوا الناس بالأمور المعيشية وينسوهم الكارثة الاكاديمية.

وأضاف العضو بنبرة حزينة، إن النواب الذين «أقنعتهم» الحكومة بمساندتها في توجهها، أوصوا بأن يبدأ تنفيذ خارطة الطريق لاعتماد الكرتونيات قبل العطلة البرلمانية بفترة قصيرة لضمان وأد أي تصعيد، صوري أو صوتي أو حقيقي، نيابي ضد المشروع وإسقاط جهود المعارضة في سلة النسيان الصيفية، بعد أن أثبتت التجارب أن الشعب يعاني من ضعف في الذاكرة السياسية، وبرهنت بأن معظم النواب مصابون بالزهايمر الرقابي.

بعد تلك المكالمة التراجيدية، تذكرت تصريح وزير التعليم العالي، لوكالات الأنباء، الذي أكد فيه بأن الوزارة لا ولن تعادل الشهادات الصادرة من جامعات غير معتمدة من قبلها، فاتصلت به مباشرة دون مراعاة للوقت حيث كانت الساعة تقارب السابعة صباحا، لا اعلم من أين أتيت برقم هاتفه الخاص، ولكنني وجدته مدونا عندي. اعتذرت منه عن سوء توقيت مكالمتي التي لم تحتمل التأخير بسبب خطورة موضوعها. ذكرت له ما وصلني من عضو البرلمان، فنفى علمه بوجود اتفاق بشأن معادلة الشهادات الكرتونية. فسألته إن كان باقيا على رأيه المعلن من الكرتونيات، فأجاب مؤكدا ثباته على موقفه المبدئي، ولكنه استدرك قائلا بأنه وزير في حكومة ينظم الدستور علاقتها مع الجناحين الآخرين في إدارة الدولة. فلو فرضنا أن المجلس شرع قانونا يفرض المصادقة على جميع الشهادات الصادرة قبل تاريخ سن القانون، فليس أمام الحكومة إلا التنفيذ، وكذلك الحال بالنسبة لحكم مشابه من المحاكم، فضلا عن تضامنه كوزير مع الحكومة حتى بشأن تلك الشهادات، إن تبلور لدى مجلس الوزراء رأي بشأنها مغاير لوجهة نظره الشخصية. ففزعت من منامي مرعوبا، وقلت في نفسي نائب ووزير في حلم واحد، لعلني «خيرا رأيت». لجأت إلى الخطيب، وهو مفسر معتبر لدى التيارات والشخصيات السياسية، ليفسر لي حلمي. أجابني مبتسما بأنه لا وزير التعليم العالي ولا الحكومة بكامل دسمها ولا البرلمان بمخالبه، المختلف في واقعها، يمكن التعويل عليهم طويلا في التصدي لمخطط اعتماد الشهادات الوهمية أو أي صورة أخرى من الفساد أو رموزه. هكذا واقعنا السياسي وحقيقة جميع المجتمعات التي تحظر إنشاء منظومة للنزاهة والشفافية أو تعيقها بعاهات تنظيمية وتنفيذية ثم تصطنع ممارستها والتزامها بالديموقراطية.

وأضاف «اذا ما يصير في شعب واعٍ يحمي القوانين ويحمي الدساتير وإلا الحكومات تلعب وعندها اجهزتها الاعلامية وأصحاب المصالح من شركات وإعلاميين وصحف… والى آخره». سرحت طويلا في مصطلح «إلى آخره» وانشغلت كثيرا في تحديد المشمولين فيه. القضية خطيرة وتستحق سماع رأي متخصص آخر، فذهبت إلى الملا جمعة وهو مفسر جليل من الوسط الاكاديمي. سرعان ما تحول لقاؤنا إلى جلسة تقييم أداء مجلس الامة. استذكرنا بحسرة مواقف البرلمان من السرقات الكبرى منذ الثمانينات، واسترجعنا بسخط مفارقات مواقفه «الإصلاحية». برلمان تجاهل شبهات اختلاس مليارية من الاستثمارات الخارجية ومن احتياطي الأجيال، في الوقت الذي حرص على كشف سرقة رمال.

وبعد نصف ساعة من الكوميديا الممزوجة بالأسى، عرج إلى تفسير حلمي فجاءت دعوته لتأسيس جمعية نفع عام تعنى بجودة التعليم العالي. رسالتها توعية المجتمع بقضايا التعاليم العالي وهدفها خلق قوة ضغط إصلاحية أكاديمية على البرلمان. وأنهى كلامه قائلا «أي مشروع اصلاحي يحتاج لشعب واعٍ ليحتضنه ويرعاه وإلا فعليه السلام». ألم أقل لكم بأنه جليل.


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock