الشيخة حصة الحمود السالم الصباح تكتب:العيش معًا فى سلام واجب مقدس
العيش معًا فى سلام واجب مقدس
“لما كانت الحروب تتولّد فى عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام” بهذه العبارة استهل الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) إعلانه، وأضاف مؤكدًا أنّ “كرامة الإنسان تقتضي بالضرورة نشر الثقافة وتنشئة الناس جميعًا على أهداف العدالة والحرية والسلام، فإن ذلك واجب مقدّس يتحتّم على جميع الأمم الاضطلاع به بروح التعاضد والاهتمام المتبادل”، وقد صدر هذا الميثاق عقب الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار بشرى ومادى والهدف منه هو تجنيب البشرية ويلات الحروب التى تطول الجميع بلا استثناء ، ولذلك فإن هذه العبارة البليغة الحكيمة التى استهل بها الميثاق التأسيسى لليونيسكو إعلانه تؤكد على أن الدواء موجود فى موطن الداء وهو العقل وذلك فى حالة خضوعه لسلطان الضمير الإنسانى اليقظ، وأن العقول القادرة على التخطيط والتنفيذ لهذه الحروب الكارثية قادرة أيضًا على صنع السلام ونشر ثقافة المحبة والتسامح وتقبل اختلاف بعضنا البعض من أجل العيش معًا فى سلام ووئام .
لذلك اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها رقم ١٧٢ بتاريخ ٨ ديسمبر ٢٠١٧ قرارها رقم ٧٢/١٣٠ بأن يخصص يوم ١٦ مايو من كل عام للإحتفال ب “اليوم الدولى للعيش معًا فى سلام”، وذلك لكى يتذكر العالم أجمع ما تخلفه الحروب من دمار شامل فى كافة المجالات ، وأن التنوع العرقى والجنسى والدينى واللغوى يجب أن يكون فى إطار الاحترام المتبادل والتكامل والتعاون لا أن يكون خارج إطار الضمير الإنسانى الحى والفطرة السوية المتناغمة مع القيم الأخلاقية الرفيعة .
فى ذكرى هذا اليوم العالمى يجب على حكومات دول العالم الرشيدة أن تنشط وعى مجتمعاتها بأن التنوع والاختلاف العرقى والجنسى والدينى واللغوى هو واقع الحياة ومن سنن الخالق سبحانه وتعالى ، وأن الأسرة هى اللبنة الأولى فى البناء الأخلاقى للإنسان منذ طفولته وأن الإنسان هو ابن بيئته ،فإن صلحت هذه البيئة استقام هذا البنيان الأخلاقى ،وإن فسدت اعوج هذا البنيان وشذ عن الاستقامة المنشودة .
الحقيقة أننا إذا أردنا نعيش معًا فى سلام يجب أن نعلم أن الاستقامة مسؤولية فردية أولًا تبدأ من الأسرة ثم المدرسة ثم جهود الحكومة فى توعية الشباب وتوجيههم لتفريغ طاقاتهم فى فعاليات إيجابية تعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعهم ، وعدم تركهم لوساوس شياطين الإنس من دعاة التطرف القبلى والطائفى ، لكى نعيش معًا فى سلام يجب القضاء على الفساد فى كل المجالات وخاصة نهب المال العام والمحسوبية ونشر ثقافة الكراهية على أسس قبلية وطائفية وترك مقدرات الوطن ومكتسباته رهينة لتصفية الحسابات والانتصار لأوهام النفس بدلًا من جهاد النفس للحفاظ على مكتسبات وطن عظيمه نسعى ليكون فى أفضل صورة ولكى نسلمه لأبنائنا خاليًا من شوائب النرجسية والانتهازية وكل ما يفسد علينا حياتنا .
فى اليوم الدولى للعيش معًا فى سلام يجب أن نعلم أن القوانين والمواثيق الدولية التى تحترم حقوق الإنسان فى حياة كريمة إن لم يتم تفعيلها بقوة سياسيًا وإعلاميًا وتعليميًا وثقافيًا و أخلاقيًا فإنها لن تساوى الحبر الذى كُتبت به وستظل سطورًا فى دفاتر النسيان ، وخاصة أن العالم فى ظل هذا الصراع والاستقطاب الحاد بين الدول فى أشد الاحتياج للتذكير بأننا نعيش فى عالم واحد وإلى مصير واحد ولا سبيل للنجاة إلا بأن يستيقظ الضمير الإنسانى لكى يعلو صوت العدالة الإنسانية فى محراب الأمن والسلام الدوليين .
نسأل الله العلى العظيم بأن يجنبنا جميعًا الفتن وويلات الحروب وأن يرزقنا الأمن والطمأنينة والعيش معًا فى سلام ووئام.
بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الصباح.