د. حمود العبدلي يكتب: هل لا تزال هناك حاجة للمعلم في العصر الرقمي؟
ساد الجدل مع بداية زخم الذكاء الاصطناعي “هل يمكن للذكاء الاصطناعي ان يحل محل المعلم؟ وإجابتي نعم..! يمكن ان يقوم الذكاء الاصطناعي بدور المعلم؛ فالذكاء الاصطناعي ينقل المعلومات وينمي التفكير ويبني القيم –وهي الأهداف الأساسية للتربية– بقدرة تفوق المعلم؛ ففي الوقت الذي يعتمد المعلم على خبرته الشخصية والتي قد تكون محدودة أو تتطلب وقتًا طويلاً لتغطية جميع احتياجات الطلاب بشكل متساوٍ يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرة مذهلة على تقديم محتوىمحدث ودقيق من مصادر متعددة وبأشكال جذابة (مثل النصوص، الرسوم البيانية، والمحاكاة ..الخ)، ويمكنه تخصيص عملية التعلم لكل طالب بناءً على مستواه وهو أمر ربما لا يدخل ضمن حدود قدرات المعلم.
ينمي الذكاء الاصطناعي التفكير بأنواعه (النقدي والإبداعي والابتكاريوالتحليلي…الخ) من خلال تصميم نماذج أنشطة مبتكرة تشجع على التفكير النقدي، وحل المشكلات، وتطوير مهارات التحليل بطريقة متسقة لا تُظهر تحيزات شخصية قد تؤثر على تعلم التفكير، بعكس المعلم التي قد تؤثر التحيزاتالشخصية أو الأنماط التعليمية الثابتة على قدرته على تنويع أساليب تعليم التفكيروهو ما تعاني منه أنظمة التعليم التي لم تستطع تقديم معالجات لمثل هذا النوع من المشكلات لحد الآن والتي بدورها انتجت قوالب نمطية للتفكير، ربما تسببت في تباطئ نمو هذه المجتمعات.
ويبني القيم ففي الآونة الأخيرة مع تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي أصبح يجيدالتفاعل البشري وبناء الثقة وفهم الجوانب الاجتماعية والعاطفية للمتعلم؛ كنا إلى وقت قريب نجادل ان الذكاء الاصطناعي يعجز عن التفاعل العاطفي مع الإنسان لكن يبدو ان تطور لغة الآلة مكن النماذج الألية من التفاعل العاطفي بطريقة متسقة ومهنية ودون أن يتأثر بضغوط العمل التي قد تؤثر على المعلم، وفي هذه النقطة يتميز الذكاء الاصطناعي بضبط تام لانفعالاته، حيث لا يشعر بالإحباط أو الغضب مهما كانت الظروف، و يمكنه التعامل بهدوء مع استفسارات أو أخطاء الطلاب المتكررة دون أن يترك تأثيرًا سلبيًا، بعكس المعلم الذي قد يفقد أعصابه أو يظهر انفعالاته في مواقف معينة مما قد يترك أثرًا نفسيًا سلبيًا على الطالب وخاصة في المراحل العمرية الحساسة، وأدائه يخلو إلى حد كبير من التفاعل العاطفي السلبي كالغضب والسخرية والاستهزاء، وهو لا يوجه تعليقات سلبية أو يظهر استياءً؛ مما يجعل الطلاب يشعرون براحة أثناء التعامل معه، وتساهم هذه التجربة في بناء ثقة المتعلمين بأنفسهم من خلال تقديم ملاحظات محايدة وبنّاءة تحترم شخصية المتعلم وتعزز تعريفه وتقديره لذاته، بينما على اقل تقدير تظهر كانفعالات او لغة جسد إن لم تظهر كلغة منطوقة لدى أفضل المعلمين ضبطاً لانفعالاته، فأحيانًا يتأثر المزاج العام أو الظروف الشخصية للمعلم بتفاعله مع الطلاب وتظهر الأساليب غير الملائمة في إحباط الطالب أو فقدانه للثقة، مما قد يؤدي إلى آثار نفسية طويلة المدى قد تؤدي إلى مواقف غير مرغوبة تؤثر على تجربة التعلم وهو ما يؤثر سلبا على شخصية المتعلم ودافعيته للتعلم مع هذا المعلم وربما تكَون لديه اتجاه سلبي عنالمادة العلمية برمتها يصنع حاجز يمنعه من تعلمها.
ويمتاز الذكاء الاصطناعي بكمية صبر لا نهائية في تحمل المتعلم وتنويع طرق وأساليب التعلم يتيح له التفاعل مع الطلاب بشكل مستمر ودون تأثر الأمر الذي يستحيل مقارنته بالمعلم الذي يفقد صبره بعد عدة محاولات قد تصيب المتعلمين بالعقد بسبب محدودية صبر المعلم، كما ان قدرته على تنويع أساليب تعليمه تظل محدودة مما يفقد المتعلم ثقته في المعلم ويؤثر على تعلمه؛ وفيما يتعلق بتخصيص تجربة التعلم فالذكاء الاصطناعي يقدم تحليلات دقيقة لأداء الطلاب ويقترح مسارات تعلم فردية توفر تجارب تعليمية مخصصة في الوقت الفعلي وهو ما لا يستطيع المعلم تنفيذه بنفس الكفاءة، ومن المهم ان نعلم ان تخصيص تجربة المتعلم هي النقطة الرئيسية التي سعت لها نظريات التعليم على اختلافها والنماذج المشتقة عنها منذ التعليم 2.0 ويمكن القول انها لم تنجح بالقدر المأمول التي كان يطمح لها الباحثون والمنظرون في هذا الميدان، وكانت كلها محاولات نظرية غير مكتملة وما طُبق منها على ارض الواقع قدر يسير، ولا زالت حتى اللحظة تحاول أنظمة التعليم تخصيص تجربة التعلم ولا يكاد أي نظام يستطيع الجزم بقدرته على تخصيص تجربة التعلم حتى اللحظة.
يضاف لذلك ان الذكاء الاصطناعي يساعد في أتمتة المهام الروتينية مثل التصحيح، التقييم، وإعداد المواد التعليمية .. الخ بشكل متقدم وبدقة اعلى تكاد تكون خالية من الأخطاء مقارنة بالفعل البشري، ويتيح الوصول إلى الموارد والمعلومات بسرعة ولا يتقيد بحدود الزمان والمكان للتعلم فيُمَكّن الطلاب من التعلم في أي وقت ومن أي مكان بما فيها المناطق النائية والمحرومة.
وهو مع كل هذا يمتاز بسرعة التكيف مع المتغيرات والتطورات وثبات التعلم ويكتسب الخبرة بسرعة أكبر من المعلم الذي يحتاج لكلفة زمنية ومادية لإعداده وتأهيله، كما يحتاج المعلم دوماً لتدريبه على مستحدثات تكنولوجيا التعليم بصورة مستمرة الأمر الذي لا تحتاجه نماذج الذكاء الاصطناعي.
لكن ..!! من سيقود الذكاء الاصطناعي ويوجه لفعل كل هذا؟؟ من سيضع الرؤية التعليمية ويحدد الأهداف الاستراتيجية التي يجب أن يعمل عليها الذكاء الاصطناعي؟ من سيضع الأهداف التعليمية ويوجه الذكاء الاصطناعي نحو تحقيقها؟ ومن سيصمم المناهج بناءً على احتياجات الطلاب؟ ويرتب أولويات تعلمها؟ويدير عملية التعلم بفاعلية؟ ويحدد متى وكيف يتم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى استفادة؟ ومن سيضمن أن الذكاء الاصطناعي يعمل وفق مبادئ أخلاقية تلبي احتياجات المتعلمين ولا تتعارض مع قيم المجتمع، ويأخذ في الاعتبار السياقات الثقافية والاجتماعية التي تشكل تجربة التعلم ويعمل في إطارها؟ ومن يضمن أن استخدام الذكاء الاصطناعي يخدم التنوع والشمولية في التعلم؟ وإذا أخطأ الذكاء الاصطناعي في توجيه المتعلمين من سيتدخل لتصحيح المسار؟ … الخ؛ أسئلة تطرح نفسها في هذا المشهد المتنامي يومياً وتزيد تعقيد مهام ومسئولية المعلم.
بالفعل الذكاء الاصطناعي قادر على نقل المعلومات بكفاءة عالية تستخدم كأرضية لمعالجة أي تعلم لاحق، وقادر على تقديم محتوى تعليمي بشكل مخصص لكل طالب مستفيدًا من تحليل البيانات الضخمة لتلبية احتياجات المتعلمين الفردية، ويمكنه توليد نصوص، وفيديوهات، ورسومات تفاعلية لشرح المفاهيم إلا انه يعجز عن تقديم طرق معالجتها بهدف بناء القيم وأنماط التفكير المتنوعة من تلقاء نفسه، اضف إلى ذلك الذكاء الاصطناعي ينقل المعرفة بناءً على البيانات التي تم تدريبه عليها ولذلك قد يفتقد أحيانًا الدقة أو يقدم معلومات مضللة بسبب الإنحيازات في البيانات، ويحتاج دائمًا إلى إشراف بشري لضمان جودة ودقة المحتوى، وهذه مشكلة قد تتسبب بآثار عميقة اذا أعطيت الثقة التامة للذكاء الاصطناعي دون وجود المعلم لتأكيدها او نفيها للمتعلم، وهذا محدد جوهري في الهدف الأول للتربية التي يبنى عليها الهدفين الآخرين من اهداف التربية.
والذكاء الاصطناعي قادر على تعليم التفكير المنطقي وحل المشكلات عبر تقنيات متقدمة مثل التعلم التكيفي وألعاب التفكير، ويمكنه تحليل طريقة استجابة الطلاب وتقديم ملاحظات لتحسين التفكير النقدي، إلا انه يعتمد على الأنماط والبيانات السابقة وبالتالي يفتقر إلى “الإبداع الحقيقي” أو القدرة على طرح أسئلة جديدة وغير مألوفة، فهو مثلاً لا يستطيع التفكير الفلسفي أو استيعاب المعاني المجردة بالطريقة التي يستطيعها الإنسان، والشيء الآخر من يوجه ويصمم بيئات التعلم الذي تقوم بتعليم الأنواع المختلفة من التفكير ويضع حدودها؟ نعم يستطيع الذكاء الاصطناعي تعليم التفكير بأنواعه المختلفة وبكفاءة عالية ويقترح أنشطة واساليب تعلم مبدعة ويلعب دور كبير في هذا الجزء لكن من ينظم عملية تعلم التفكير ويحدد نوع التفكير ومستواه وطريقة نمائه ويتابع عملية نموه والبناء عليه؟ وحتى لو انتقلنا للمنطقة المتقدمة من أداء الذكاء الاصطناعي كمعلم ذاتي، من سيصمم تجربة التعلم ويخصصها بكل تفاصيلها ابتداءً من التفاعل وانتهاءً بالتقويم (تشخيصي، علاجي، تكويني، تجميعي.. الخ) وبناءً عليه تحديد التغذية الراجعة ونوع التعلم القادم؟ والحقيقة في هذه النقطة افرطت التربية في التعليم 4.0 في الاعتماد الآلي في التعليم ولذلك بدأت معالجتها بسرعة قبل ان يستفحل الأمر وضمنتها في مبادئ التعليم 5.0 الذي يركز على الجانب الإنساني لعملية التعلم.
والذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء حوارات تفاعلية ذكية وتقديم إجابات فورية لأسئلة الطلاب، والتكيف مع أساليب تعلمهم المختلفة، ويُستخدم البيئات الافتراضية لتوفير تجارب تعليمية شبيهة بالحياة الواقعية، إلا ان التفاعل مع الذكاء الاصطناعي يظل محدودًا بالبرمجة والتدريب المسبق، فإذا واجه سؤالًا أو موقفًا غير متوقع قد يفشل في التفاعل بفعالية وهذا ربما يؤدي لإحباط المتعلم وبالتالي يفقد الثقة بهكأداة تعليمية، بالإضافة إلى ذلك ورغم قدرة الذكاء الاصطناعي على توفير تفاعل عاطفي إيجابي، إلا أنه يفتقر إلى العمق الثقافي والإنساني الذي يتمتع به المعلم البشري، خاصة عند التعامل مع سياقات اجتماعية وعاطفية معقدة، فالحياة الحقيقية ليست مجرد تفاعل إيجابي؛ بل تشمل مواقف مليئة بالتحديات والمشاعر المرتدة التي تحتاج إلى صلابة نفسية وشخصية للتعامل معها، وهنا يظهر الفرق الجوهري بين التجربة الافتراضية (Virtual Reality)، والتجربة الواقعية (Real Reality) التي يعيشها الإنسان، والتي تساهم بشكل أكبر في بناء وصقل شخصية المتعلم وتعزيز قدرته على مواجهة مواقف الحياة الحقيقية بثقة ومرونة؛ لذلك، يبقى التفاعل البشري عنصرًا لا غنى عنه في التعلم، ليس فقط لتوفير العمق والمرونة، بل أيضًا لتجهيز الطلاب للحياة الواقعية بمهارات تتجاوز حدود ما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدمه.
ربما باستخدام تقنيات التعرف على المشاعر (Emotion Recognition) يمكنللذكاء الاصطناعي التعرف على حالات الطلاب العاطفية مثل التوتر أو المللويستطيع تقديم دعم “ظاهري” عبر نصائح مهدئة، لكنه يفتقر إلى المشاعر الحقيقية التي تطفئ تلك الانفعالات فهو قد يفهم نمط الحزن لكنه لا يشعر به، وبالتالي لا يستطيع معالجته بفاعلية، ولا يزال التفاعل العاطفي العميق الذي يعتمد على التفاهم الإنساني المتبادل خارج نطاق إمكانياته؛ فربما يستطيع الذكاء الاصطناعي تحفيز الطلاب للتعلم لكن بأي حال من الأحوال لا يمكن ان ينافس المعلم في تحفيز الطلاب وبقاء أثر التحفيز، إضافة لبناء العلاقات التي تعزز من تفاعلهم ورغبتهم في التعلم؛ صحيح ان هناك تطورات كبيرة يفاجئنا بها الذكاء الاصطناعي في الجزءالعاطفي كنا نرى انه من الصعب عليه فعل ذلك، إلا ان الجانب العاطفي كما تشير له بعض الدراسات والتقارير لا يمكن تعويضه بالذكاء الاصطناعي خاصة في التعامل مع التحديات النفسية للطلاب الذي يكتشفها المعلم بصعوبة احياناً.. فكيف للذكاء الاصطناعي ان يفعل ذلك؛ وعلى الأقل نستطيع ان نجزم بذلك حتى هذه اللحظة.
يتفوق الذكاء الاصطناعي في العديد من الجوانب، مثل التفاعل الذكي، وضبط الانفعالات، ويملك قدرات هائلة تُساعد في تعليم التفكير، ونقل المعلومات، وتوفير الدعم العاطفي والتفاعل مع المتعلمين، لكن.. يبقى السؤال الجوهري من سيوجه الذكاء الاصطناعي لفعل كل ذلك؟؟ إنه المعلم “كمصمم”… آن الأوان إلى إعادة تعريف دور المعلم وتحول دوره من “ملقن للمعرفة” في أنظمة التعليم القديمة او “ميسر” في التربية الحالية إلى “مصمم تجارب تعليمية” يقود التعلم باستخدام الأدوات التكنولوجية.
ودعوني اعطي مزيد من التوضيح لأدوار المعلم وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي ومعها سيتضح هل لا زلنا بحاجة للمعلم في العصر الرقمي؟ انتقلت أفكار التربية الحديثة من مفهوم “المعلم الملقن” في التعليم 1.0 الذي لا زال سائد في بعض الأنظمة التعليمية حتى اللحظة وهي الأنظمة التي لم تعي التحولات من حولها ولم تؤثر او تتأثر بتطورات الحياة والعلوم التربوية والتكنولوجيا، وهذا النوع هو الذي يستبدله ويحل ومحله الذكاء الاصطناعي فهذا المعلم لم تعد ثمة حاجة اليه، إلى المعلم “الميسر” لعملية التعليم؛ وعند مطلع القرن 21 أصبحت تتحدث أدبيات التربية عن المعلم “الملهم” وهذا النوع يحاول ان يبقي لنفسه موطن قدم ويصارع الذكاء الاصطناعي ويقلل من شأنه ويعلي من شأن نفسه ويحاول ان يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لإثبات وجوده وتفوقه كأحد صور الصراع بين الإنسان والآلة كما يذكره جيرد ليونهارد في كتابه الصراع بين الإنسان والآلة، والخطورة في هذا النوع تكمن ليس في منافسة المعلم للذكاء الاصطناعي ومحاولة اثبات قدراته وجدارته في البقاء، بل يُخشى وعلى حين غفلة وضعف وغياب الرؤية، وربما لعجز او فشل الأنظمة التعليمية من تحول المعلم من شخصية محورية تُشرف على العملية التعليمية (تصميم وتنفيذ وتقويم) كعملية إنسانية إلى مجرد مراقب أو مشغل للنظم التكنولوجية، مما يؤدي إلى تقليص الدور الإنساني في التعليم وميكنتها مما يفقدها قيمتها وأثرها الاجتماعي الذي هو الهدف الرئيسي لعملية التعليم؛ إذا لم يُستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل مدروس وبإشراف ومتابعة المعلم حتماً سيصبح الطلاب أقل قدرة على التفكير لإن الذكاء الاصطناعي يعلم التفكير لكنه يعجز عن تأكيد الرغبة في تعلم التفكير او البناء والنمو في عملية منظمة هادفة، ولا نستطيع توقع الأضرار في مثل هذا النوع من سلوك المعلم.
وبالتالي اصبحت هناك حاجة ملحة للانتقال إلى المعلم “كمصمم” لتجربة التعلمليظل صاحب الدور الأكبر وصاحب المبادرة، يطوع الذكاء الاصطناعي ويسخره لخدمة اغراضه التعليمية، ولا يمكن للذكاء الاصطناعي انتزاع دوره مهما بلغت قدرات الذكاء الاصطناعي لإن جوهر عملية التعليم “عملية إنسانية” -وهاتين الكلمتين عادة ما تسبق أي تعريف للتعليم لدى المنظرين والباحثين بهذا الشأن- وهذا ما لا يستطيع تمثله الذكاء الاصطناعي، والأمر الآخر بسبب قدرة المعلم على التفكير النقدي، واتخاذ القرارات المعقدة، والتفاعل الإنساني الذي يفتقده الذكاء الاصطناعي؛ وبهذا يبقى دور الذكاء الاصطناعي مجرد مساعد عالي الذكاءمحترف ينقل خبرات المعلم إلى مراحل متقدمة من الكفاءة في الإبداع والابتكار بما يسهم في تقديم تجربة تعلم فريدة من نوعها تنعكس على تطور المجتمعات وتضاعف سرعة تقدمها.
وإزاء هذا التحول في مفهوم المعلم “كمصمم” نحن بحاجة إلى فلسفة جديدة تتناسب مع العصر الرقمي ومع التحولات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على التعليم من أهم مرتكزاتها:
1. إعداد معلم بفلسفة جديدة تعيد تعريف دوره من ناقل للمعلومات او ميسر إلى مصمم لتجارب تعليمية مبتكرة تعزز التفكير النقدي والإبداعي، مع التركيز على تعليم الطلاب كيفية التعلم والتفكير بدلاً من مجرد حفظ المعلومات، ويتحول المعلم إلى شريك في رحلة التعلم يساعد الطلاب على استكشاف اهتماماتهم وتطوير شغفهم، وهذا يستلزم تعليم المعلمين كيفية تقديم الدعم العاطفي وبناء علاقات قوية مع الطلاب، خاصة في ظل تضائل التفاعل الإنساني بسبب التكنولوجيا، وتدريب المعلمين على أساليب التفكير الإبداعي وتصميم الأنشطة التي تعزز الإبداع لدى الطلاب، و تمكين المعلمين من فهم كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز العملية التعليمية، مع الاحتفاظ بدورهم القيادي.
2. ترجمة التعلم المتمركز حول المتعلم إلى واقع ملموس وتوسيع نطاقهوتأكيد استخدامه وهذا يتطلب تحول فلسفة التعليم من كونها قائمة على التلقين إلى التركيز على تمكين الطلاب ليصبحوا متعلمين مستقلين وقادرين على أنواع التفكير بما فيها القدرة على اتخاذ القرار وحل المشكلات.
3. الانتقال الفعلي إلى تخصيص تجربة المتعلم وفق احتياجات كل طالب على حدة بمساعدة الذكاء الاصطناعي الذي يلعب دورًا في تقديم محتوى وخطط تعلم مخصصة، بينما يظل المعلم هو المسؤول عن التوجيه وفق مبادئ التعليم 5.0.
4. مناهج تعليمية مرنة تركز على المهارات الإبداعية والفكرية باعتبارها مهارات المستقبل لا يمكن للآلة أن تُتقنها بالكامل، وبيئة تعلمية ثرية تضمن تعليم عادل متاح للجميع تُمكن التفاعل بين المعلم والمتعلم لاستكشاف اهتماماتهم ومواهبهم وتعتمد على مصادر تعلم مفتوحة ومتنوعة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
5. التعاون بين الإنسان والآلة والتأكيد على شراكة تكاملية تسعى إلى تقديم تجربة تعليمية شاملة تجمع بين الجوانب الإنسانية التي يضطلع بها المعلم، مثل بناء العلاقات، وتعزيز القيم، وتحفيز الطلاب، وبين الجوانب التقنية التي يديرها الذكاء الاصطناعي مثل تحليل البيانات وتخصيص المحتوى التعليمي ويعمل الطرفان معًا لتلبية احتياجات الطلاب بشكل متكامل وفعال.
6. دمج القيم الإنسانية مع التكنولوجيا وهذا يتطلب أن تكون التكنولوجيا وسيلة لتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية، مثل التعاون، والمسؤولية، والتفكير النقدي، وترتكز على غرس الوعي بأخلاقيات استخدام التكنولوجيا، وتعزيز أخلاقيات التعليم من خلال توجيه الطلاب نحو استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول ومدروس، كما ينبغي تمكين الطلاب من التفكير النقدي في تأثيرات التكنولوجيا الاجتماعية والأخلاقية، مع توجيههم نحو توظيفها لخدمة المجتمع وتحقيق التغيير الإيجابي.
7. تجسيد فلسفة التعلم مدى الحياة وتجاوز حدود المدرسة التقليدية، حيث يصبح التعلم عملية مستمرة تُرافق الأفراد في حياتهم المهنية والشخصية، وتساعد المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي الوصول إلى التعلم في أي وقت وأي مكان.
هذه الفلسفة التعليمية الجديدة تقوم على التوازن بين “التقنية” و “الإنسانية”وتصبح التكنولوجيا خاصة الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتعزيز التعليم، ويظل المعلم محوريًا لكن بأدوار جديدة تركز على الإبداع، والقيم، والتفاعل العاطفيوالاجتماعي، وهي المبادئ التي بدأت تتشكل في التعليم 5.0.