كريم.. مغربي تحدّى التوحد وحصل على الدكتوراه بـ”مشرف جداً”
قليلون هم الأشخاص الذين استطاعوا تحويل عجزهم إلى قصص نجاح، ونجحوا في تحقيق أحلام بدت للكثيرين بعيدة المنال، وأثبتوا أن لا شيء مستحيل بالعزيمة والإصرار.
واحد من هؤلاء القلة هو كريم بن عبد السلام، شاب مغربي مصاب باضطراب التوحد، لم تثنيه الصعوبات التي واجهها من تحقيق حلمه، في الحصول على درجة الدكتوراه.
ويعتبر بن عبد السلام، (31 عاماً)، أول شاب مغربي مصاب باضطراب التوحد ينجح في نيل درجة الدكتوراه، ليعطي بذلك مثالاً يحتذى به لأشخاص يعانون نفس وضعه الصحي.
وقد نال الشاب هذه الشهادة العالية بميزة “مشرف جداً”، في تخصص العقيدة والأديان بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وكريم هو من بين الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد، الذي يؤثر بحسب الأطباء على قدرة المصاب على التواصل مع محيطه، ويخلق نوعاً من الضعف في التفاعل الاجتماعي وصعوبة في التعبير عن الذات.
تشخيص “التوحد”
في سن الثالثة من عمره، اكتشفت الأسرة إصابة كريم باضطراب التوحد، بعد أن لاحظت مديرة روضة الأطفال التي يرتادها اختلافا في تصرفات الطفل عن باقي أقرانه.
يقول محمد بنعبد السلام (والد كريم) إن من بين الأعراض التي كانت تؤكد إصابة ابنه بالتوحد، ميوله للانطواء والانعزال عن الآخرين، وقلة التواصل مع المحيطين به، وتكرار بعض السلوكات.
ويضيف الأب قائلاً: “حملتنا هذه العلامات إلى استشارة طبيب نفسي للأطفال، أكد لنا إصابة كريم باضطراب التوحد، الذي لم نكن نعرف عنه شيئا حينها”.
يحكي والد كريم كيف دفعت إصابة ابنهم بالتوحد إلى التعرف والبحث عن طبيعة هذا الاضطراب وطرق التعامل مع المصاب، ويقول: “حرصنا على معاملة كريم بشكل عادي على غرار باقي إخوته الآخرين”.
إثبات الذات
إصابة كريم باضطراب التوحد لم تمنعه من أن يعيش حياة طبيعية، ويتابع دراسته بشكل عاد ويتفوق طيلة مشوراه التعليمي، بالرغم من الصعوبات التي كانت تواجهه.
ويتذكر الشاب كيف كان يتعرض خلال دراسته، وبشكل خاص في المستوى الثانوية إلى التنمر من طرف بعض زملائه، وكيف كان بعضهم يرفض مجاورته في الفصل، بأمر من أولياء أمورهم.
ورغم رفض البعض لكريم، إلا أن رغبته في تحصيل العلم كانت أقوى، وأبان عن تفوق ملحوظ خلال مساره الدراسي خاصة في المواد الآدبية، مما مكنه من اجتياز جميع المراحل التعليمة بامتياز قبل الحصول على أعلى الشهادات.
ويعتبر الشاب، الذي يشتغل حالياً بخزانة دار الحديث الحسنية بالرباط، أن دعم أسرته ومحيطه، منذ اكتشاف إصابته باضطراب التوحد وإلى غاية اليوم، ساعده كثيرا على الخروج من العزلة التي كان يعيشها.
إشادة واسعة
وقد لاقى خبر حصول كريم على الدكتوراه، كأول مغربي مصاب بالتوحد، ينال هذه الدرجة العلمية العالية، إشادة واسعة من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، وبات بحسب أغلب التعليقات قدوة، ومثالاً حياً على أن لا شيء يمكنه أن يقف أمام تحقيق الأحلام في حضور الإرادة والعزيمة.
وفي تغريدة له على موقع “تويتر”، كتب محمد غاشي، رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط: “شاب تحدى كل الصعاب، كريم المصاب بالتوحد أول شاب مغربي توحدي ينال دكتوراه بالمغرب، لحظة تدمع العين وتفرح القلب”.
وتابع الغاشي في تغريدته التي لاقت تفاعلاً واسعاً: “كريم لم ينل فقط شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جداً، بل أعطى درساً في الإصرار والصبر”.
يقول كريم إن الحصول على الدكتوراه كان بمثابة حلم بالنسبة إليه، غير أن الطريق لبلوغ الهدف لم يكن مفروشا بالورود، وتطلب الكثير من الجهد والصبر.
ويؤكد كريم الذي نال الدكتوراه برسالة موضوعها “دعوة المسيح بين الأناجيل والقرآن الكريم”، أنه يطمح حاليا إلى نشر المزيد من البحوث في مجال العقيدة والأديان، وأخرى في موضوع التصوف والطرق الصوفية.
رسالة فنية
وبالموازاة مع تفوقه الدراسي، أظهر كريم مواهب في فن الغناء والموسيقى، قادته إلى مشاركة الغناء في ثنائي “دويتو” مع الفنان المغربي نعمان لحو، في أغنية عن “التوحد”.
وكان الهدف من الأغنية التي صدرت قبل حوالي سنة، تسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها المصابون باضطراب التوحد رفقة عائلاتهم، من أجل اندماجهم بشكل طبيعي داخل المجتمع.
ويقول الشاب إن العمل الفني والإنساني الذي قدمه مع الفنان نعمان لحلو هو بمثابة “رسالة للفت الانتباه إلى التوحد الذي يعتبر اضطرابا وليس مرضا، ويشكل حافزا للمصاب به من أجل إثبات الذات”.
المصدر:
سكاي نيوز