فاطمة الصفار تكتب :كتابةٌ على الرمال
قد يخطر في مُخيّلتك مشهد كتابةٍ مميزة بالغة الأثرعلى القلب قبل العقل، مكتوبةٌ بخط رفيع ولون قرمزي ومشاعر صادقة وإبداع أخّاذ وإتقان خلّاق. كتابةٌ على سطح أملس تُحفرعليه أبسط الكلمات إلى أعمقها، أكثرها صدقاً إلى أقلّها، وأبرزها وَقعةً في الأنفس إلى أندرها. كتابةٌ يكاد سَنا جمالها أن يخطف الخيال إلى زمانٍ زاخر باللحظات الجميلة ذات الميزان العادل القويم. نعم أيها الأحبة إنها الكتابة على سطح رمال البحر الذهبية بعبارة ساحرة، ولكن قد تتساءل أيها القارئ لوهلة: يا تُرى ما علاقة الكتابة على الرمال في وصف رونق وجمال الزمان ؟ وما القصد من تحديد مكان الرمال عند البحر الصافي البهيّ ؟ وهل من الممكن أن تزول هذه الكتابة الفاتنة بعوامل خارجية شائبة بتباين الظروف المغايرة أم أنها راسخة ومقاومة للتأثيرات الطارئة عليها ؟
لكي نَعي معنى هذا الربط فكرياً وندرك حجم هذه المسألة سلوكياً، فلنتصور أفراد المجتمع بأشخاص يأمرون بالمعروف وينسون أنفسهم، يتهافتون بالحق في مواقع التواصل الاجتماعي ويصفقون للباطل على أرض الواقع، يتّسمون بالازدواجية في الشخصية بين العالم الافتراضي والواقعي، يتعاملون مع نظائرهم في الخلق بناءً على معايير موروثة لا مُكتسبة، يُبدعون ويتفاخرون في الكلام لمجرد الكلام بلا غرض أو هدف، يتسابقون في نيل أسمى الشهادات وأرقى المناصب في سبيل الشهرة بعيداً عن شتى معاني الإبداع المطلوب والابتكار المحمود، يتفاخرون بما قد انتقل إليهم عن طريق الوراثة غافلين عن حقيقة جوهر المرء الكامن في تكوينه لشخصية ناضجة واعية متّخذةً الإصرار ركيزةً أساسيةً في كل زاوية من زوايا الحياة المتباينة، لوجدنا أنها نماذج مسمومة لأفراد المجتمع ذواتهم قبل أن تكون قاتلة لبهاء أجواء البيئة المجتمعية المحيطة. كذلك هي أمواج زبد البحرعند طمسها للكتابة الموجودة على ذرات الرمال عندما تُمتزج المياه العكرة بالكتابة النقية الصافية، حينئذٍ يضيع الجمال ويُطمس البهاء!
نعم فهذا صحيح جداً ومنطقي فعلاً، إن جمال العبارة الموجودة على الرمال مرهونٌ بتطبيق الجمال الداخلي في كل الظروف والأحوال، وفي الأفعال قبل الأقوال، في النفوس قبل الأفئدة، وساعات اليوم قبل أيام الغد، وإن ثباتها على هذا الجمال مُرتبط بالحفاظ عليها من رياح الضياع والهدر، فلكي تُتَرجم خاصية استمرارية حُسنك عليك ببذل كافة الجهود الممكنة لمقاومة تغييرات الحياة السلبية التي قد تطرأ عليك باختلاف الزمان والمكان والخارجة عن الإرادة في أغلب الأحيان، وهنا يكمن عنصر الإبداع في كيفية تذليل جمال النفس تبعاً للتغييرات المفاجئة غير المخطط لها على كافة المعايير والأصعدة.
إن البحر بطبيعته عالم مليء بالسكون والأسرار ورماله تضفي جمالاً فوق جماله وهدوءاً فوق هدوئه، كذلك هي نفس
الإنسان البشرية عند محاولاتها المتكررة بالتمسك بكل ما هو جميل وترك كل ما هو قبيح عند خوض تجارب الحياة المختلفة.
ومن منطلق محور المقال إليكم بعض الأبيات المكتوبة بقلمي المتواضع:
أفي كل يومٍ يغدو وجدانك بهِيامٍ ورُواءٍ
جاذلاً قانعاً بما قُسِمَ لك من الأرزاقِ
أم أنك تسأم من تقلبات زمانكِ بأهواءٍ
كما هو الخريف عند تساقط الأوراقِ
فتشبّث بكلّ جميلٍ ولا تكن بالأسواءِ
تلقى الأقدار بنفسٍ شاكيةٍ كالبقباقِ
إنّ الحياة فيها من البهاء ما تطيب بها
الأنفسُ عند دوامها على خِصالها الغيداقِ
لذا إن رسالتي الأولى والأخيرة هي:
” إنّ التمسك بصور الجمال الداخلي مع اختلاف الظروف المحيطة المتغيرة مطلبٌ أساسي لبقاء جمال الكتابة الموجودة على سطح الرمال الذهبية ”
بقلم/ فاطمة الصفار