خالد محمد الأنصاري يكتب: مسؤولية الوالدين في التربية
لاشك ان الأولاد قرة عين الوالدين ، وثمرة فؤادهما ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [ [الكهف:46]، أي أنهم من الأشياء التي يتزين بهم في الحياة الدنيا ، فاذا كان الامر بهذه المكانة العظيمة ، فان هناك مسؤوليات على الوالدين في تربية اولادهما مِنْها توجيههم الى التحلي بالأخلاق الحسنة ، وتصحيح سلوكهم ، وتعاهدهم بغرس القيم النبيلة في نفوسهم ، وتنشئتهم التنشئة الصالحة ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
فالمسؤولية هنا تشمل معنى الأمانة ، كما قال الله عزوجل : ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) (الأحزاب:72) ، و تشمل أيضا محاسبة الانسان نفسه كما قال جل وعلى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) (الإسراء:36(، فاستشعار المسؤولية في تربية الأولاد امر مهم جدا ، وقد حث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تربية الأولاد على العقيدة السليمة ، والأخلاق والصفات الحسنة الكريمة ، بل حرص في تربيتهم على مراقبة الله عزوجل ، وتقوية صلتهم بالله تعالى ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
وقد امر النبي صلى الله عليه وسلم الوالدين بأن يأمروا أبناءهم بالمحافظة على الصلوات منذ الصغر؛ لينشئوا عَلَى طاعة اللهِ تَعَالَى، ويتأصل حبها في قلوبهم ويستمروا في أَدائها ، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ].
كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا لهم بالعلم النافع والتفقه في الدين ، وهذا إشارة الى تشجيعهم على طلب العلم وحثهم عليه ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: وَضَعَ لَكَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» ، فالجانب العلمي للأولاد خاصة في التعليم عن بعد بسبب مرض كورونا مهم وهنا يأتي دور الوالدين في تقوية أمور عديدة من أهمها الأمانة العلمية لدى الأولاد والحرص على تلقيهم المعلومات الدراسية والجد والاجتهاد والمثابرة في التعليم دون اهمال وكسل .
وَأنبه الى أن أَصل الْأُصول في التربية الصَّالحة هو محبة الله تعالى ومحبة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم من خلال قراءة سيرته العطرة فهي التطبيق العملي لمعاني القرآن والسنة ، كذلك محبة القرآن الكريم وتلاوته وحفظه وتفسيره ، فالقرآن الكريم يهذب النفس ويقوم السلوك ، ويغرس الأخلاق الحسنة والصفات الحميدة ، وأخيرا أقول التربية الناجحة باب عظيم لرفع الدرجات في الآخرة ، وأجر دائم للوالدين ان هم احسنوا في تربيتهم لأبنائهم على أحكام الشريعة الغراء ، وعلى حسن معاملة الخلق ، مصداقا لما رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
كتبه :خالد محمد جاسم الأنصاري
معهد التدريب المهني