د. بندر الخالدي يكتب: الله جَلَّ جَلالُه
أفضل ماتكلم به العبدُ كلامه عن الله عز وجل وصفاته ، وأعلم أنّ ربي أعظم وأجل من أنْ أكتبَ عنه كلمات لا توفيه حقه ، فَقَدْرُهُ عظيم ، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد ، خلق أول ماخلق العرش ، وكان عرشه على الماء ، قدّرَ جميع الأشياء في الأزل ، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كَتَبَ الله مقادير الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) مسلم ٢٦٥٣ .
فالله عزّ وجلّ في العلو فوق السماوات و فوق العرش وفوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، وعلمه في كل مكان جل وعلا، ولا يشبهه شيء من خلقه في صفاته ، وهو الذي أقام العرش ، وهو الذي أقام السماوات ، و أقام الكرسي ، وأقام الأرض ، وكلها مفتقرة إليه ، وهو مُسْتَغْنٍ عنها ، فالكون عن بكرة أبيه تحت تصرفه ، ويسير وَفق أمره .
فعلم الله واسع ، فهو يعلم ما يكون عليه العباد ، من كفر وإيمان وغير ذلك ، وكَتَبَهُ ، وشاءَهُ ، وسار الخلق على ما قدره سبحانه ، لا يخرج شيئا على الإطلاق عما أراده الله وقدّره ، فيعلم مثاقيل الجبال وعدد حبات الرمال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وما تساقط من ورق الأشجار، يعلم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، لا يفوت على بصره وسمعه وعِلمه شيء، فيسمع دبيب النمل ويسمع السر كما يسمع الجهر، ويعلم الخافي كما يعلم الظاهر. ويبصر حركات المخلوقات في البر والبحر وتحت ظلام الليالي السود، لا تدركه الأبصار ولا الأسماع وهو الواحد المعبود. وهو العليم بكل شيء ، يعلم السر وأخفى، لا يشغله شيء عن شيء، ولا صوت عن صوت، ولا خلق عن خلق، السر والعلن عنده سواء.
انفرد بالمُلْكِ والكبرياءِ وحده ، يفعلُ مايشاء ، ومتى شاء ، لا يُسْألُ عما يفعل ، فلا يعجزه شيء، ولا يفوته شيء، ولا يحول دون إرادته شيء، ولا يحد مشيئته شيء ، وهو قادر على ما يريده، غالب على أمره .
كل يوم هو في شأن سبحانه جلّ في علاه ، يُغني فقيراً، ويَجْبُرُ كَسِيرًا، يعطي قومًا ، ويمنع آخرين، يحيي ويميت، يرفع ويخفض، لا يتبرم من إلحاح الملحين في الدعاء، ولا من طول مسألة الداعين، يحاسب العباد ولا يحاسبونه، ويسألهم ولا يسألونه .
له صفاتٌ تليق بعظمته وجلاله ، نؤمن بها دون تعطيلٍ ولا تحريفٍ ولا تمثيلٍ ولا تشبيهٍ ، فالله ينزل إلى السماء الدنيا بذاته ، ويستوي على العرش بذاته ، ويجيء يوم القيامة بذاته ، وهو يستحي ويتعجب ويضحك ويفرح ويغضب ، نؤمن بهذه الصفات إيمانًا مُطْلَقًا لا يَدْخُلُهُ شكٌ ، فليس لنا أن نسأل عن كيفيتها ، ولا ينبغي أن نفكر في حقيقتها ، فله جميع صفات الكمال المُطلق المُنزه عن النقصان فليس كمثله شيء، فلا تُشْبِه صفاتُه صفاتِ المخلوقات ، قال تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) الشورى ١١ .
والله جميل الذات، وجميل الصفات، وجميل الأفعال، وجميل الأسماء. وله نورٌ لو رُفع عنه الحجاب لَأحرقتْ سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ولِنورِ وجهه أشرقت الظلمات ، ويوم القيامة يخص الله المؤمنين في الجنّة بأعظم نعمة أنعم عليهم بها وهي تشريفهم وإكرامهم بالنظر إلى وجهه الكريم ، قال تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) القيامة ٢٢ ، ٢٣.
فالله أكبر من كل مخلوقاته ، يضع السماء على إصبع ، والأرض على إصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر والأنهار على إصبع ، وسائر الخَلْق على إصبع. ( حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رواه البخاري ٧٤١٤ ) ، يقول جل وعلا : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) الزُّمَر ٦٧ .
تتسع رحمته السماوات والأرض وما بينهما، وهو أرحم بالعباد من الأم بولدها، فيغفر الزلات ويعفو عن الخطيئات ويمحو السيئات ولا يملُ من تكرار التوبة ، ويغفر ذنوباً كالجبال ولا يُبالي ، وهو شديد العقاب لا يظلم أحدًا ، فُكل حقوق العباد تُرفع إليه ولا تُرد إلا به، وهو العظيم الذي ليس كعظمته شيء، فلا تُدرك عظمته العقول والأبصار، وهو العدل الذي حرّم الظلم على نفسه وعلى عباده .
سبحانك ربي ما عبدتك حق عبادتك ، ولا شكرتك حق شكرك ، ولا قدرتك حق قدرك ، أمرتني فماائتمرت
ونهيـــتني فماانتهيت ، وهاأنذا ياإلهي ألوذ بجنابك وأقرع بابك فإن قبلتني ورحمتني فبعفوك ورحمتك
وإن عذبتني يا إلهي فبعدلك ، اللهم عاملني بما أنت أهله ولا تعاملني بما أنا أهله .