كتاب أكاديميا

فاطمة الصفار تكتب: المعكرونة في زمن الكورونا


ھل الكورونا غیرت من طریقة صنعك للمعكرونة أم أن المعكرونة ھي التي غیرتھا؟ ھل الكورونا غیرت من ذواتنا أم أن أنفسنا قاومت التغییرات الجذریة لھذه الأزمة الراھنة كردة فعل على إصرارھا بالمبادئ السلبیة سواء الموروثة أو المكتسبة؟ ھل الكورونا جعلت الأرض تستریح من البشریة أم أن البشریة ھي من بحاجة إلى قسطاً من الراحة؟ ھل الكورونا ظفرت بتغییر الجانب السيء منّا وإبقاء الحسن أم أنھا آثرت التأثیرالمؤقت فحسب على التغییر الدائم؟ ھل عملیة التغییر المنشودة في حال استُوجب ذلك بھذه البساطة الظاھرة أمام أعیننا أم أنھا معقدة تعقیداً كافایاً وافیاً لالتفاف الأحبال على الأعناق ؟ وھل المعكرونة المحروقة بالفعل بمقدورھا أن تكون بمثابة أفكارك المحركة لأفعالك وأقوالك سلباً أم أنھا مجرد طبق یكاد یُفسد البطن إن تم إشباع الجوع من خلالھ؟
إن الإجابات عن كل ھذه التساؤلات تكمن في نھایة البدایة الفعلیة للحیاة الجدیدة على كوكب البشریة بعد أن تعود المیاه إلى مجاریھا ویرجع كل منّا إلى نمط حیاتھ المعتاد، عندما یكف كل من ساھم بتفاقم أزمة الكورونا ولو بنسبة بسیطة عن أعمالھ السیئة التي دفعھا عدد لا یُستھان بھ من البشر بأغلى ما قد یملكونھ، دفعوا ” صحة أرواحھم وعافیتھم ” مقابل ھذا الفساد المتف ّشي بصورة جلیة لا یمكن نكرانھا وتجاھلھا إزاء النتائج الظاھرة على الساحة الحالیة، وعندما نرى التصرفات البشریة قد سلكت منحناً آخراً بعیداً كل البعد عن ما قد آلوا إلیھ الیوم.. حینما نرى معاني الإنسانیة وصور الرحمة قد انتشرت بین الأرجاء، عندما نجد صورالمتاجرة بالإقامات قدُ أعدمت وأنماط العنصریة قد اختفت، عندما یحصل كل ذي حّق على حقھ باختلاف أصلھ وحسبھ ونسبھ،ٍ
عندما نرى أن المناقشات على توافھ الأمور بدافع الضغائن في مواقع التواصل الاجتماعي قد تُركت،
وأنماط التفكیر السلبي بشتّى صوره قد تبدّلت، حینما نرى أن الاھتمام بالعقول بد ًلا من الكمالیات والمظاھر قد احتل الجانب الأھم والأكبر في جمیع الأنحاء والأركان، وعندما نرى استغلالاً للطاقات البشریة في سبیل التنمیة المجتمعیة، وأخیراً عندما نرى استشعاراً حقیقیاً راسخاً في القلوب قبل العقول، في الأفعال قبل الأقوال، وفي دقائق الیوم قبل ساعات الغد بأبسط النعم وأعمقھا إلى أعظمھا وأكبرھا.
فعلى الرغم من سطوع الحقائق ووضوحھا كوضوح الشمس إلا أننا نجد من ینكر الفساد المتفشي بعلة استشعار النعم وعدم التذمر كثیراً، وھنا یكون الرد بأن الاستشعار الحقیقي والواقعي لا یكون بحجب الرؤیة عن ما ھو ظاھر وواضح من فساد وسلب ونھب بل على العكس تماماً، فلكي تحقّق معنى استشعار النعم فعلیك أولا بتقدیرھا والمحافظة علیھا من أیادي العبث بتطبیق كل ما ھو من شأنھ صیانتھا وحفظھا من الضیاع والھدر. من منطلق ما نجابھھ حالیا، إلیكم بعض الأبیات المكتوبة من قلبي قبل قلمي المتواضع:ٌٌ ًً
إن الأحوال إذا تأّسنت متبدلة متلونة لیس لھا دواما قصیرا أو طویلا
فاستحكموا عقولكم إذ انوجدت میزة ما كان اللب خارقاً أوعویصاًٌ
وتمتموا آلاًء كانت علیكم سابغة فما زال الأوان غزیرا ُمسھبا
والفَیئةُ إلى سابق عھدكم منفیّةٌ كفيء غانی ٍة لغدرھا حبیباً عاشقا
نعم فھذا مؤكد فعلاً وصحیح جداً، عندما تكف عن صنع المعكرونة المحروقة عندئذ یمكن القول أن: المعكرونة قد تغیرت في زمن الكورونا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock