ليزلي ألكسندر بال يكتب: هل يكون فيروس كورونا محفزًا للتعاون العالمي؟
الدوحة، 4 ابريل 2020 – أثارت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها العديد من الدول للحد من انتشار فيروس كورونا مثل منع السفر، وإغلاق الحدود، وحظر التجول، إلى جانب لعبة تبادل الاتهامات التي تورطت فيها بعض القيادات السياسية حول العالم، أسئلة على غرار: هل تكتب هذه المرحلة نهاية التعاون العالمي؟ فقد كان من الواضح أن التوجهات القومية تكتسب زخمًا بالفعل في مختلف أنحاء العالم تقريبًا. وهل يتسبب فيروس كورونا في تعزيز ميل بعض الدول إلى الانغلاق على نفسها، والحد من تعاونها مع الدول الأخرى؟
ربما تكون الإجابة على هذه الأسئلة هي “نعم” على المدى القصير. ويبدو أن هناك ميل في الوقت الحالي إلى إغلاق الحدود في جميع أنحاء العالم، حتى أن بعض الدول تميل إلى عزل المدن والأقاليم والمقاطعات الموبوءة عن بعضها البعض تفاديًا لانتشار الفيروس. ولكن من الوارد أن نحتاج في غضون عام إلى أكثر من مجرد التنسيق المحدود للسياسة العالمية، حيث تسبب هذا الوباء في إثارة مشاكل عالمية وتضخيمها، وهو ما سيتطلب الآن اتخاذ إجراءات سريعة لمعالجة هذا الوضع المتدهور.
وتتجلى الحاجة الأكثر وضوحًا لتنسيق السياسات بين العديد من الأطراف في قطاع الصحة نفسه، حيث يُظهر لنا هذا الوباء مدى أهمية تبادل المعلومات الصحية بأعلى قدرٍ ممكن من السرعة والشفافية. وتجري حاليًا العديد من الجهود البحثية حول العالم للتوصل إلى لقاح للفيروس، ويحتاج الباحثون كذلك إلى تنسيق جهودهم والتواصل مع بعضهم البعض.
ويتمثل نموذج الترابط الواضح الآخر في الاقتصاد العالمي، وخصوصًا فيما يتعلق بمصير الدول النامية. وتُعدُ الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، من الأمثلة البارزة للدول المتقدمة الغنية التي أطلقت حزمات ضخمة لتحفيز الاقتصاد الوطني يمكنها الإسهام في إنقاذ تلك الاقتصادات، ولكن ماذا عن الاقتصاد العالمي؟
وكانت مجموعة العشرين قد عقدت اجتماعًا (افتراضيًا بالطبع)، بتاريخ 26 مارس الماضي، تحت رئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية (وهي الدولة التي تتولى رئاسة المجموعة في دورتها الحالية). وعلى الرغم من وجود بعض التوترات، تعهد قادة المجموعة بتقديم دعم إضافي لمنظمة الصحة العالمية، بهدف تمكينها من مكافحة هذا الوباء، بالإضافة إلى تخصيص مبلغ 5 تريليون دولار لدعم الاقتصاد العالمي.
وما لا يدركه الكثيرون هو أن مجموعة العشرين كانت من المنتديات الرائدة في التعامل مع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، عندما عقد وزراء ماليتها اجتماعًا قبل وقوع هذه الأزمة، التي وجهت أكبر صدمة للاقتصاد العالمي منذ وقوع أزمة الكساد الكبير، وبدت وكأنها تدق ناقوس وفاة العولمة والترابط العالمي.
وفي هذه الفترة، أرادت بعض الدول التعامل مع تلك الأزمة عبر الانفصال عن الاقتصاد العالمي، بيد أن هذه المحاولات صاحبها إدراك أوسع بأن الأزمة الاقتصادية العالمية كانت تتطلب ردًا عالميًا موحدًا ومناسبًا. وعلى مدار العقد التالي، أصبحت مجموعة العشرين منتدى لمناقشة التحديات المرتبطة بالسياسات العالمية، ومن بينها القضايا الاجتماعية، والتكنولوجية، والبيئية، فضلًا عن القضايا الاقتصادية. ولكن مع تعافي الاقتصاد العالمي وتراجع المشاكل، حسبما بدا وقتها، تعامل بعض قادة العالم مع المنتدى بشكلٍ أقل جدية.
ولكن ذلك الوضع لا يبدو مشابهًا للأوضاع السائدة في الوقت الحالي، حيث سيوفر فيروس كورونا نفس الحافز لتعزيز التعاون بين الأطراف المتعددة، مثلما حدث إبان فترة اندلاع الأزمة الاقتصادية في عام 2008، ولكنه سيكون تعاونًا بتركيز مختلف. فمن الواضح أن قضايا الصحة ومكافحة الأوبئة ستحتل موقع الصدارة والاهتمام في هذا الصدد، حسبما تُظهر المساعدات الإضافية التي قدمتها قيادات مجموعة العشرين لمنظمة الصحة العالمية. ولكن تأثير الفيروس على الدول النامية واقتصاداتها سيكون أكبر بكثير من الآثار التي خلفتها الأزمة الاقتصادية الكبرى عليها في عام 2008. وتتعرض أنظمة الرعاية الصحية في تلك البلدان، التي تأتي بالفعل في مراتب أدنى بكثير قياسًا بالمعايير الدولية، لمخاطر مربكة.
وقد طُرحت هذه المسألة للنقاش خلال محادثات الدورة الأخيرة لمجموعة العشرين، مع إشارة البيان الختامي الصادر عن هذه الاجتماعات إلى الخطر الداهم الذي تتعرض له الدول الأفريقية على وجه الخصوص. وبالإضافة إلى تعهدهم ببذل “جميع الجهود الممكنة” للحفاظ على صمود الاقتصاد العالمي، أكد قادة مجموعة العشرين على التزامهم بدعم الجهود الدولية المشتركة لدعم الدول الفقيرة والنامية في التعامل مع هذه المحنة.
وكانت ملامح التعاون واضحةً كذلك في الدعوة للتنسيق بين المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة الصحة العالمية.
ولا يعني أي من ذلك أن التعاون متعدد الأطراف سيحدث من تلقاء نفسه؛ فسوف تستمر الدول والمناطق التي كانت تبدي شكوكًا من قبل في أهمية نظام العولمة في الترحيب بسقوطه. وقد تتعثر المنظمات الدولية، ومن الوارد أن يصبح قادة مجموعة العشرين (لا سيَّما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية) أكثر انشغالًا بمشاكلهم الداخلية.
وقد رأينا بعضًا من تلك العثرات المحتملة خلال اجتماعات الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في الأسبوع الماضي، حيث عارضت دول شمال أوروبا، وهولندا، وألمانيا، مقترحًا باستخدام آلية الاستقرار الأوروبية لمساعدة الدول المتعثرة، بالإضافة إلى معارضتها لطرح “سندات كورونا”.
وعلى مقربة من مقر انعقاد اجتماعات مجموعة العشرين، تتعرض دولة قطر لحصار جائر مفروض عليها منذ عام 2017. ولعل ما يدعو للسخرية هو أن المملكة العربية السعودية، التي ترأست مؤخرًا تلك الاجتماعات التي عُقدت في شهر مارس، وطالبت بتعزيز التعاون العالمي، هي من تقود هذا الحصار.
وسوف يكون هناك ميل للامتناع عن التعاون، واللعب على الجروح القديمة (وإيجاد جروح جديدة)، وإفقار الجيران، وفرض حماية عليهم، والتحدث بالنيابة عنهم، وعزلهم. وستكون هناك حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، تديرها أجهزة بعض الدول وأطراف أخرى غير تابعة لها، لنشر معلومات مضللة، وإلقاء اللوم على الآخرين. وقد ذكر معهد الحوار الاستراتيجي، وهو مركز أبحاث رائد، أن هذا الأمر يحدث بالفعل.
ولكن من المتوقع أن تُمارس ضغوط شديدة من أجل تنسيق السياسات العالمية، لا سيَّما فيما يتعلق بالتنسيق الصحي، طالما استمر هذا الوباء في الانتشار حول العالم؛ والتنسيق الاقتصادي، مع دخول الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الركود؛ والتنسيق السياسي والإنساني، مع انتشار الاضطرابات الصحية والاقتصادية، وتسببها في إحداث موجة من الاضطرابات الإقليمية، والنزاعات، والهجرة، والمعاناة الإنسانية.
وحسبما أشار البيان الختامي الصادر عن مجموعة العشرين، يُمثل فيروس كورونا “تنبيها قويًا على ترابطنا ونقاط ضعفنا المشتركة”، حيث “لا يعرف الفيروس أي حدود”. وبالمثل، يجب ألا تعترف جهودنا للتعامل مع تداعيات هذه الأزمة بأي حدود.
ليزلي ألكسندر بال هو العميد المؤسس لكلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة الموجودة في مدينة الدوحة بدولة قطر.