محمود داود الربيعي يكتب :العوامل المؤثرة في بناء المنهج
ا.د محمود داود الربيعي \كلية المستقبل الجامعة \بابل \العراق
ويقصد بها عامل الضغط على المنهج نحو التغيير ، فقد شهدة الفترة الاخيرة كثيرا من التغيرات الثقافية في كافة مجالات الحياة مثل الانفجار المعرفي الهائل الذي ترتب عليه تضاعف المعلومات في فترة زمنية وجيزة ، وازدياد الآمال ومستويات الطموح للشعوب والافراد ، فأقبل الجميع على التزويد بالعلم والاستفادة من التقنيات الحديثة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي ، كما زاد التقدم العلمي والتكنولوجي ، وصاحبت ذلك تطبيقات تكنولوجية ادت الى تغير وسائل الانتاج ، فحلت الالة محل الانسان في عديد من المجالات ، وحدث تغير في موارد الانتاج ، فلم تعد مقصورة على الموارد الطبيعية فقط ، بل تعدتها الى انتاج موارد جديدة مصنعة ، كما ازداد الاهتمام بالتخصص المهني الدقيق وتقسيم العمل ، هذا الى جانب تطور الدراسات في مجالي التربية والتعليم ، وتأكيدها ضرورة الاهتمام بتنمية شخصية المتعلم من كافة جوانبها ( المعرفية ، والجسمية ، والنفسية ، والاجتماعية ….. الخ ) ومن ثم اصبح للمتعلم دور نشط في العملية التعليمية .
ان هذه التغيرات الثقافية السريعة تتطلب اعداداً خاصاً لأفراد المجتمع في المؤسسات التعليمية المختلفة ، ولذلك فإن المنهج الذي تقوم بتنفيذه تلك المؤسسات ينبغي ان يخطط له بعناية فائقة حتى يستوعب كل هذه التغيرات .
وينبغي على المنهج الا يحرص على حشو عقول الطلبة بالحقائق والمعلومات ، التي ربما لا تكون مناسبة لما يستجد من تغيرات وتطورات في المستقبل ، ومن ثم يجب ان يهتم بإكساب الطلبة القدرة على التعليم الذاتي وتدريبهم على مهارة البحث عن المعرفة التي تساعدهم على الاستمرار في التعلم والنمو الشخصي والاستقلالية ، وتنمية مهارات التفكير بكل مستوياتها بدلا من الاعتماد على المعلم كمصدر وحيد للمعرفة .
كما يجب ان يهتم المنهج بتحقيق النمو الشامل للطالب ، من خلال تنمية شخصيته من كافة جوانبها ( العقلية ، والجسمية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والدينية ، والسياسية ، والفنية …. الخ ) لان الشخصية وحدة متكاملة ذات جوانب متعددة , و تهيئة الفرص امام الطلبة لممارسة العلاقات والمهارات الاجتماعية المرغوب فيها كالتعاون وتحمل المسؤولية والاخلاص في العمل وتكوين الانفعالات والعواطف المناسبة حولها التي تجعلهم يحبونها ، ويؤمنون بها ، ويتحمسون لها . و يهتم بميول الطلبة وحاجاتهم ومشكلاتهم ، و يسهم في تكوين العادات والاتجاهات الايجابية لديهم ، والتي تعد محددات وموجهات للسلوك المراد تعديله ، بما يتفق مع طبيعة المجتمع والتغيرات الحادثة فيه وتلك التي يتوقع حدوثها في المستقبل .
كما ينبغي ان يهتم المنهج ايضا بالأنشطة المدرسية والدراسات العملية وذلك بإتاحة الفرصة للطلبة لممارسة الانشطة المتنوعة وإرساء الدراسة النظرية على اساس النشاط والممارسة والخبرة الذاتية ، حتى يتضح للطلبة معناها ومغزاها .
ويجب ان يهتم هذا المنهج بتوثيق الصلة بين المدرسة والبيئة والمجتمع ، عن طريق تعريف الطلبة بمشكلات البيئة والمجتمع ، وتنمية قدراتهم على ايجاد حلول لها .
والى جانب ما سبق ينبغي ان يهتم المنهج بتهيئة فرص النمو المهني للمعلم ، عن طريق تحريره من قيود طريقة التلقين التقليدية ، واعطائه الفرصة للمشاركة مع طلبته في تخطيط العمل اليومي ، وتنفيذه والقيام بألوان مختلفة من الانشطة والمشروعات التي تتطلب من الطالب ان يفكر ويجرب ويبتكر ويلاحظ طلبته فيزداد فهماً لهم كأفراد وتتحسن قدرته على توجيههم .
ومن هنا نرى معظم علماء التربية والتعليم يرون . ضرورة ان تكون الخبرة التربوية هي اللبنة التي يتكون منها المنهج ، او هي وحدة بناء هذا المنهج ، وأن يكون الهدف من هذه الخبرة المقدمة في ذلك المنهج هو تحقيق النمو الشامل المتوازن للطلبة بما يؤدي الى تعديل سلوكهم وتحقيق الاهداف التربوية ، كما أكد علماء التربية والتعليم ايضا ضرورة ألا ينحصر السعي نحو تحقيق ذلك الهدف داخل الصف الدراسي او المؤسسة التعليمية فقط ، بل يتعداه الى خارج حدود ها.
ان نجاح المنهج يتطلب دائما تحليل المواد والمقررات الدراسية طبقا لما يقتضيه اكتساب الطلبة للمؤهلات المهمة في مجال اختصاصهم وكذلك اعادة تقييم. اهداف المناهج المخصصة لإعدادهم اخذين بنظر الاعتبار الطبيعة المتغيرة لمنهجهم .
ومن هنا يمكننا ان نحدد العوامل المؤثرة في بناء المنهج وهي :
1- عوامل فلسفية عقائدية :
ان الفلسفة تهدف دائما الى مساعدة الفرد ليكون مواطناً صالحاً في المجتمع ، لهذا فإن برامجها تتأثر بهذا الاتجاه وتعمل على تحقيقها . لهذا تأثر المنهج قديما في اليونان بفلسفة افلاطون مما ادى الى اهتمام المنهج بالعقل وإهمال الجسم ، اما الاسلام فينظر للإنسان على انه خليفة الله على ارضه فأمره بعمارة الارض وسخرها له ، فلذلك اهتم المنهج بتنمية الفرد الى اقصى نمو ممكن .
2- عوامل نفسية :
يتأثر المنهج بدوافع واتجاهات وميول المتعلمين ومشكلاتهم النفسية في كل مرحلة من مراحل نمو المتعلمين .
3- عوامل اجتماعية :
ان الفلسفة الاجتماعية مستمدة من اهداف التربية والمجتمع لذا يتأثر المنهج بالأسرة كما يتأثر بالمؤسسات الاعلامية من تلفاز واذاعة وغيرها و ايضا بالعادات والتقاليد والقيم للمجتمع .
4- خصائص العصر :
يتميز عصرنا بأنه عصر التفجر المعرفي وهذا يقتضي منا مراعاة ذلك في مناهجنا حيث يجب الاهتمام بالعلوم التطبيقية والعمل على تنمية القدرات الابتكارية.
5- القائمين على المنهج :
المعلم والمدرس والمشرف والمدير والعميد قائمون على تنفيذ المنهج ولكل واحد منهم دوره الفعال في المنهج ، ومن ثم فإن المنهج يتأثر تأثيراً كبيراً بهؤلاء .
6- الامكانيات والمستلزمات :
ان الامكانيات والمستلزمات تؤثر وبشكل فاعل على مفردات المنهج ونوعية الفعاليات والانشطة لذا فإن هذا الجانب له تأثير على نجاح او فشل المنهج.
فالمباني والتجهيزات المطابقة للمواصفات الصحية والتربوية تسهم في تحقيق اهداف المنهج والعكس صحيح .
7- صفات القوة والضعف عند القائد :
ان القائد له تأثير كبيرة على نجاح او فشل المنهج وبدونه لا يمكن ان تنجح العناصر الاخرى في تحقيق اهدافها ، فان الاهتمام بإعداد قادة كفوئين بالوسط التربوي والتعليمي اساس نجاح تنفيذ المنهج ان كانوا معلمين او مدرسين او اداريين .
8- الاهداف المتوخاة من المنهج :
يجب ان تكون الاهداف واضحة كي يتم تحديد الفعاليات وعلى ضوئها يتم بناء المنهاج الذي يحقق هذه الاهداف .
9- طبيعة الأفراد وحاجاتهم :
ان حاجات الأفراد تؤثر الى حد كبير في بناء المنهج لأن الجميع يطمحون بالوصول الى تحقيق هذه الحاجات وذلك بالاعتماد على مراحل النمو المختلفة للأفراد .
10- عدد المشاركين :
ان عدد المشاركين له تأثير على بناء المنهج وتنفيذ مفرداته فكلما كان العدد مقبولاً ويتلاءم مع نوع النشاط كلما كان تنفيذ المنهج ناجحاً في تحقيق الهدف المنشود .
11- تطوير المنهج :
ان المناهج يجب ان لا تبقى ثابتة بدون تغيير فهي تحتاج بين فترة واخرى الى التطوير كي تحقق اهدافها على ان يكون التطوير مبنياً على اسس علمية .
وتكمن الاهمية النفعية لتفعيل التطوير بالآتي :
1- حاجتنا الى تطوير المناهج نظرا الى اهميتها حاضرا ومستقبلاً .
2- طبيعة المادة ومبادئها التربوية وإرتباط محتوياتها بالعلوم الاخرى .
3- احتياجات المتعلمين الى انشطة تشبع رغباتهم وفقا لمراحل نموهم .
4- توزيع مدروس لمحتويات المناهج المختلفة في ضوء متغيرات السن والجنس .
5- اعداد جيل من الشباب يتمتع بصحة جيدة متوازية .
6- اعداد جيل من الشباب متعاون ومتفاعل مع غيره .
7- استثمار اوقات الفراغ فيما يعود بالنفع والبعد عن الانحراف .
8- نشر الثقافة عن طريق المحتويات التدريسية والاعلامية لأنها اصبحت لغة العالم المتحضر .