سوسن ابراهيم تكتب: كذب أم مُجاملة!
في بعض الأحيان نمر بأوقاتٍ جُل همنا هو الابتعاد عن الآخرين والانعزال بفقاعة تطفو فوق جميع مشاكلنا وخاصة تلك المتعلقة بمن يُحيطون بنا. ولكن طبيعة النفس البشرية وطبيعة الكون تُحتّم علينا أن نُكَون علاقات إنسانية تناسب الطبيعة السوية.
ولأن لا فرصة لنا بالانعزال فلا بد لنا أن نتقن فن الحوار مع الآخرين؛ كيف نتحدث مع أحدهم وما هي طبقة الصوت المناسبة ومتى علينا الانسحاب من المحاورة وما إلى ذلك من منهجيات الحديث مع الأخر. وبما أنّ طبائعُنا تختلف فلا شك بأن في الكثير من الأوقات علينا أن نتحدث مع الآخرين بأساليب مختلفة تليق بهم. لدرجة قد تصل بنا إلى الكذب في سبيل مسايرتهم بالحديث أو الاكتفاء بمجاملة سطحية تكسر حاجز الصمت وتضعنا على عتبات الحديث الاول.
الاضطرار للمساومة على أمور الحياة قد تُحيلنا الى وسائل عدة ومنوعة، وقد تجبرنا على التصرف خارج نطاق مبادئنا التي تعهدنا بعدم الخروج عنها أو التهاون فيها. ولذلك ترى المجاملة الآن ثقافة منتشرة. بل أصبحت الى حد ما ملاصقة لمعاملاتنا وحتى شخصياتنا التي تتبلور نتيجة الاحتكاك مع الاخرين.
فالفرق بين الكذب والمجاملة هي تلك الشعرة الرفيعة التي تفصل بينهما لتوضح مدى جدية العلاقة وأهميتها. ولأننا مجتمعات تعشق المظاهر وتُحارب من يتخلف عنها وكأنها “دستور العيش” في بلادنا العربية؛ لا بد لنا أن نتقن فن المجاملة إلى حد الإسراف بالكلام. لستُ من هواة المجاملة ولكن بعد مدة ليست بالقصيرة أصبحت أدرك كم أن هذا الأسلوب مطلوب وكأنه ماء يُنعش العلاقات ويزهرها.
لستُ مع الكذب ولا أدعو للمجاملة ولكنّ الحياة تحتم علينا بعض الأحيان هذه الأساليب. ولكنها قد تتحول بلمح البصر الى كتلة من النفاق الاجتماعي المبتذل الذي يتاجر بمشاعر الآخرين إن لم نعترف بحدود هذا الأسلوب المتعارف عليه في التقرب من الآخرين.
الكذب مُحرّم و “نفاقُ” المجاملة قد يصُيره البعضُ حلالا. فإن أردنا علاقات اجتماعية صحية حقًا فعلينا بإحدى الوسيلتين إما الصدق أو الصمت.
سوسن ابراهيم