فاطمة السلمان تكتب: الرحمة الكاذبة
يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المزمل: 20).
في هذه الأيام ونحن نستشعر قرب شهر رمضان المبارك نجد الأيادي البيضاء تتسابق لفعل الخيرات بأنواعها، من تقديم مساعدات مالية وعينية فضلا عن الخدمات التطوعية والرحلات الإغاثية، فالجميع يسعى لصنع الابتسامة على وجوه رسم الدهر خطوط الشقاء على ملامحها ليكون هذا الشهر مصدر سعادة لكثير من الناس الذين أنهكت متاعب الحياة قلوبهم.
ورغم ما حققه العمل الإنساني وسيحققه من مجد وسمعة طيبة للكويت وأهلها، إلا أنه أصبح من الملاحظ في الآونة الأخيرة أن الناس بدؤوا يقبلون على المساهمة في كل حملة للتبرع ويقدمون المساعدة المالية لكل شخص، ويكثر ذلك في شهر رمضان رغبة في اغتنام الأجر من الله تعالى، وظنًا منهم أن هذه رحمة بالعباد، لكن ما يغفل عنه البعض هو أن تلك رحمة كاذبة لا أساس لها.
فكثير من الأشخاص حين يطلب مساعدة الآخرين ويجد ما يكفيه دائما فإنه يتهاون في طلب الرزق من الله تعالى رازق الكائنات كافة، وتنتج عن ذلك آثار خطيرة تهدد المجتمع، فلن يسعى ذاك المتسول للبحث عن عمل، وقد يترك عمله إن كان موظفا لأنه سيرى ما يجنيه من أهل الخير أفضل من عناء العمل، وبالتالي سيخسر المجتمع كثيرا من الطاقات البشرية العاملة وتنتشر فيه ظواهر غير مرغوب بها كالتسول في الأماكن العامة مما يؤثر سلبا على المظهر الحضاري للدولة.
وفيما يخص حملات التبرع التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويسارع المتبرعون للمساهمة بها، فإن كثرتها والإقبال الشديد عليها دليل قاطع على أصالة العمل الخيري في النفوس، لكن قد يخطئ البعض في اختيار الحملة التي يشارك بها، لأن هذه الأموال من الممكن أن تُبذل في أمور غير مشروعة، أو في سبيل الإفراج عن سجين قد سرق أو ارتكب جريمة ما متعمدا، وهذا ما سيعود على المجتمع بالضرر الشديد، فقد يعود السارق لسرقته والمجرم لفعلته أو قد يتشجع غيره لارتكاب جرائم أخرى ظنا منه بأن هناك من سينتشله من قسوة السجن ألى الحرية مما يعزز الجريمة في المجتمع.
وأخيرًا، افعل الخير في مكانه المناسب لتحصد ومجتمعك ثماره الطيبة، ولا تكن مشاركًا بمعولك في هدم المعنى الحقيقي للعمل الخيري الذي لا ينحصر في بذل المال فقط، بل قد يكون كلمة طيبة تغرس بها أملاً، أو علمًا نافعًا تبني به أمة ووطنًا، أو خدمة تكسب بها أجرًا، أو ابتسامة صادقة تجبر بها كسرًا، واحذر كل الحذر، أن تخدعك الرحمة الكاذبة وتأخذك إلى طرق يسودها الظلام وتحفّها الأخطار.
فاطمة السلمان