كتاب أكاديميا

شذى صادق تكتب: ضغط العمل والاداء المنظمي

ان الحالة السائدة التي يعاني منها العاملون اليوم هي شيوع درجة عالية من الضغط في بيئة العمل، ومهما تكن اسباب الضغط وتأثيراته فهو قائم في اغلب المنظمات وأصبح واحدا من مجالات الاهتمام الرئيسة في دراسة السلوك التنظيمي.

يواجه معظم الناس في عصرنا الحالي شتى أنواع الضغوط، إثناء العمل، أو خارج العمل لأسباب أخرى غير العمل، إذ يّعد العمل في المنظمات مصدراً للضغوط التي يشعر بها العاملون على مختلف المستويات الإدارية، إذ يشعر كثير من العاملين بالإرهاق النفسي، وحالات من عدم التوازن النفسي والجسمي، مما يؤثر عليهم، وعلى مستوى الأداء الذي يقومون به بشكل سلبي،  إذ يجب على المنظمات الحديثة أن تتحمل مسؤولية اجتماعية كبيرة من خلال التعامل مع العاملين بطرق إنسانية ورعايتهم كثروة بشرية لا يمكن أن يتم العمل إلا بها، لان ما يميز الإدارة الحديثة هو الشعور الكبير بالمسؤولية الاجتماعية التي تحتم عليها الاهتمام بالصحة النفسية والجسمية للعاملين، فهناك أسباب تتعلق بالإنتاجية لأنها محصلة لصحة العامل الجسمية والنفسية، وأسباب تتعلق بالإبداع والابتكار المرتبطان بالقدرة على تحمل المسؤولية وسلامة العقل والجسد.

يمثل موضوع ضغط العمل أحد الاهتمامات المشتركة بين الاطباء وعلماء النفس والاجتماع والادارة، فهو تعبير عن حالة عدم التوازن النفسي او الجسمي داخل الفرد تنجم عن عوامل من البيئة الخارجية او المنظمة التي يعمل بها او بسبب الفرد نفسه، او انه حالة من عدم التوازن بين متطلبات البيئة او احتياجاتها وقدرة الفرد على الاستجابة لهذه المتطلبات، وتتركز المشكلة في السؤالين الآتيين: –

هل توجد علاقة بين ضغط العمل وأداء الفرد والمنظمة؟

هل يؤثر ضغط العمل على أداء الفرد وأداء المنظمة؟

أولاً: مفهوم ضغط العمل وادراكه

لكي نوضح ضغط العمل وتأثيره على الاداء خاصة والمنظمة بشكل عام لابد من الاشارة الى ان السلوك في المنظمة هو حصيلة تفاعل ثلاثة انظمة مستقلة تتمثل بالنظام الشخصي الذي يصدر عنه نمط السلوك، والاجتماعي الذي يحدث فيه السلوك، والنظام التكنولوجي. ان الادوار في المنظمة تحصل بتفاعل النظام الشخصي مع الاجتماعي، وان السلوك يتكون بتفاعل النظام الاجتماعي مع التكنولوجي، في حين ان الاعمال في المنظمة هي حصيلة تفاعل النظام الشخصي مع التكنولوجي، واخيرا بتفاعل الانظمة الثلاثة نحصل على ما يسمى بالسلوك في المنظمة. أي سلوك الافراد لتأدية اعمالهم يتأثر بأدوار عدة داخل السلوك التنظيمي. وكحالة لابد منها طالما يوجد تفاعل بين الانظمة اعلاه في المنظمة، اذن سيتولد نوع من ضغط العمل لدى الافراد، أي ستنشأ علاقة ما بين السلوك في المنظمة والضغط الناتج من التفاعلات السابقة الذكر، عليه يمكننا تحديد مفهوم ضغط العمل على انه: الموقف الذي يؤثر فيه التفاعل ما بين ظروف العمل وشخصية الفرد على حالته النفسية والبدنية التي تدفعه الى تغيير نمط السلوك الاعتيادي.

ثانياً: المتغيرات الشخصية

أ. الشخصية هي مزيجاً بين عدة مفاهيم، النفس، الذات، وهي دلالة على ان الانسان كائن معقد ويصعب معرفة نواحي سلوكه تماماً. وبشكل عام فان الشخصية هي “مجموعة الصفات والانماط السلوكية والفكرية والشعورية الثابتة نسبياً، التي تميز إنسان عن اخر” كما وان الشخصية “هي التأثير الذي يتركه الفرد على الاخرين”. “وهي مجموعة الصفات الفردية التي لا شك انها تتغير من حين لأخر وتتطور بفعل العوامل الوراثية والمكتسبة”. وبشكل عام فالشخصية تمثل نمطاً نسبياً يحدد تصرفات الافراد واستجابتهم للمحيط الذي يعيشون فيه.

ب- الإدراك: –

هو عملية استقبال المثيرات الخارجية وتفسيرها من قبل الفرد تمهيدا لترجمتها الى استجابة مقصودة (سلوك). او هو العقلية الخاصة باختبار وتنظيم وتفسير المعلومات الواردة الى العقل من البيئة المحيطة بالفرد عن طريق الحواس التي يملكها واعتمادا على معلوماته وخبراته المخزونة في ذاكرته. ان العملية الادراكية الصحيحة من المتغيرات التي تمكن الفرد من فهم دوره في المنظمة ومن ثم سيطرته الكاملة على أي حالة تأزم او ضغط قد يتعرض لها ليحولها الى موقف ايجابي ينطلق منه لتحقيق مصلحته ومصلحة المنظمة في النهاية.  

جـ- القدرة على التكييف: –

التكييف هو القدرة على تحقيق التوازن بين الفرد ومنظمته أو بيئته، أو بين العمليات والوظائف النفسية للفرد الناتجة عن خفض أو أزاله القلق والتوتر الناتج عن دافع دون الوقوع في حالة صراع. والقدرة على التكييف هو سلوك يحاول به الفرد التغلب على الصعوبات التي تقف حيال تحقيق دافع أو حاجة.

د – الدور: –

أن سلوك الفرد في المنظمة لا يعتمد على ما يؤديه من أعمال، ولا على الوضع السلوكي، ولكنه يعتمد على الدور الذي يؤديه الفرد (هو الفعالية أو النمط السلوكي المطلوب أداؤه من قبل الفرد شاغل الوظيفة). على أن الدور ينشأ من التفاعل بين الأنظمة كما أسلفنا، التي تشكل العنصر الأساس لنجاح المنظمة لكن هذا يعتمد على تفهم الافراد لما يؤدونه من أدوار، (هي كل الفعاليات التي تؤدي من قبل مجموعة من العاملين الذين يتفاعلون مع آخرين بغض النظر عن مستواهم ومواقعهم في الهيكل التنظيمي).

ثالثا : أثار ونتائج ضغط العمل

    يتفق الكتاب والباحثون على أن تعرض الشخص لضغوط شديدة يؤدي إلى نشوء أثار سلبية وخسارة للفرد والمنظمة على السواء في خمس مجموعات: –

أ. سلوكية (Behavioral) مثل الميل للحوادث، والإدمان على استخدام المسكنات والكحول، والابتعاد العاطفي، والإفراط في الأكل والتدخين، والسلوك العدواني والضحك بعصبية.

ب. موضوعية (Subjective) ومنها القلق، والعدوانية، واللامبالاة والملل، والاكتئاب، والإرهاق، والإحباط، وفقدان الأعصاب والمزاج، وعدم تقدير الذات والوحدة.

جـ. معرفية (Cognitive) عدم القدرة على اتخاذ القرارات السليمة، وضعف التركيز، وانتباه قصير المدى، وحساسية زائدة اتجاه النقد، وحوافز ذهنية.

د. فسيولوجية (Physiological) تزايد نسبة كلوكوز الدم، زيادة في ضربات القلب، وزيادة ضغط الدم، وجفاف في الفم، والعرق، وارتفاع وانخفاض في حرارة الجسم.

هـ. تنظيمية (Organizational) مثل الغياب، والدوران الوظيفي، وانخفاض الإنتاجية، والعزلة عن الزملاء، وعدم الرضا الوظيفي، وانخفاض التزام الموظف وولاءه.

يتبين مما تقدم ان موضوع ضغط العمل بات من المواضيع الملفتة للنظر في الآونة الأخيرة والمؤثرة بشكل مباشر على الأداء الفردي ولمنظمي نظراً للأسباب المتزايدة التي تسبب هذا الموضوع سواء أكانت تلك الأسباب شخصية أم منظميه، وغالباً ما تكون الضغوط التي يواجها الناس هي محصلة تفاعل عوامل ومؤثرات عدة.

علماً أن الضغوط ليست بالضرورة أن تكون جميعها ضارة وسلبية للفرد أو المنظمة. بل أن بعض الكتاب والباحثين يحثون على ضرورة تعرض الفرد لبعض الضغط ليتولد نوع من التحدي له يثير لديه الحماس والدافعية والنشاط للمواجهة، ولكن الضغط الشديد والزائد عن قدرة تحمل الفرد يؤدي إلى نتائج ضارة وسلبية عديدة، للفرد وللمنظمة.

ولغرض بلوغ غايات هذا البحث فقد تم الاستناد إلى مجموعة متغيرات تتعلق بالفرد مثل الشخصية، الإدراك، القدرة على التكيف، الدور، ومتغيرات تتعلق بالمناخ التنظيمي، تتمثل بالأسلوب القيادي المتبع، نظام الحوافز، العلاقات الإنسانية والوظيفية، المسؤولية، نظام تقييم الأداء المتبع، وللحصول على المعلومات تم اللجوء إلى استمارة الاستبيان التي كانت معدة لهذا الغرض للتعرف على أراء العينة ومقترحاتهم بخصوص ضغط العمل وأثره على الأداء. وقد تم التوصل الي أن هناك دور للعوامل الوراثية والبيئية في تكوين الشخصية المؤثرة على ضغط العمل، كما أن العملية الإدراكية للفرد ليست بالقوة التي تمكنه من مواجهة الضغط في العمل، وهذا ما يجعله ضعيف القدرة على مواجهة التغيرات والتكييف معها، مع وضوح غموض الدور بشكل يولد لديه الضغط إثناء ممارسة إعماله في القسم، فضلاً عن أن هناك ضعف في مشاركة المرؤوسين في اتخاذ القرارات الخاصة بالقسم وان نظام الحوافز المستخدم يحتاج إلى الموضوعية أكثر، كما وان نظام تقييم الأداء لايزال غير مستقر وليلائم الواقع الصعب الذي يعيشه الفرد في المنظمة و في الختام نصل إلى تقديم توصيات  مناسبة لمواجهة الضغط في العمل في المنظمات التعليمية لرفع مستويات الأداء مستقبلاً، ومنها تطوير المواصفات الشخصية للمنتسبين وجعلهم يمتلكون مهارات اكبر في مواجهة الضغوطات سواء على المستوى الفردي مثل ممارسة الرياضة، والاسترخاء التأمل، ضبط السلوك ذاتياً، إعادة البناء المعرفي، أو على مستوى العمل في المنظمة من خلال إعادة تصميم الإعمال، والتعاون مع الآخرين، الكفاءة في إقامة علاقات طيبة، تحديد أولويات العمل.

شذى صادق

مدرب متخصص ج

المعهد العالي للخدمات الإدارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock