قسم السلايدشو

(ثلاجة الخير) الكويتية.. يد بيضاء ترشد الهدر الغذائي وتتطلب الرعاية

كما الشجرة الطيبة التي تسد ثمارها رمق كل رائح وغاد تقف (ثلاجات الطعام) في كويت العطاء شاهدا على رغبة لا تكل وسعي لا يمل من شعب استطالت أياديه البيضاء فبلغت من المعمورة كل بقاع لتصبح الإنسانية له استحقاقا والخيرية له عنوانا.
وفي جديد أعمال هذا الشعب المعطاء عمد كثير من الكويتيين إلى تنصيب ثلاجات “خير” في واجهة بيوتهم لتكون “ركنا” يأوي إليه ذوو الحاجة وحلا عمليا للطعام الفائض الذي يطعمون به مسكينا ويتيما وفقيرا لوجه الله دون أن ينتظروا جزاء ولا شكورا.
ولكونها مظهرا للخير الذي اشتهر به الكويتيون يتسارع انتشار ثلاجات الطعام بشكل لافت فتراها تغطي مناطق تمتد من الخالدية والشامية والنزهة إلى اليرموك والعمرية والفنطاس والصليبخات ومن العارضية والجهراء والأندلس إلى الفروانية والسرة والعدان لتكون للكويتيين “سيماهم” التي توجد في “وجوه” بيوتهم ويعرفهم بها كل دان وقاص.
وشكلت هذه الثلاجات مع بنك الطعام والجهود التطوعية لتوزيع الأغذية على المحتاجين أحد عوامل صدارة الكويت عربيا وعالميا ضمن الدول الأفضل على مؤشر الجوع لعام 2018 الذي يصدره المعهد الدولي للسياسات الغذائية التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وتحتاج ثلاجات الخير إلى “رعاية” تعينها على تجاوز تحديات جادة كشفها التحقيق الذي أجرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بهذا الشأن حتى تكتمل مسيرة هذا العمل الطيب ويضيف إنجازا إنسانيا جديدا إلى سجل كويتي حافل شارف حد الإعجاز.
والمتتبع للمساهمة الشعبية المتسارعة في ثلاجات الطعام يجد أنها تنبع من إحساس مشبع بحب الخير والتسابق على فعله فها هو المستشار السابق لوزير الدولة لشؤون البلدية نمشان النمشان يقول “إن الثلاجة التي توجد في منطقتنا جاءت بمبادرة طيبة حاز بها جاري علي الصانع قصب السبق الخيري ليوضع بها الطعام الفائض سواء لديه أو لدى أهل المنطقة”.
ويؤكد النمشان على أن ما يتم رفد الثلاجات به هو من “رأس الوجبة الرئيسية للعائلة وليس مما تبقى على المائدة” مشددا على أن “الوجبات تكون من أوسط ما نأكل”.
ويتنوع المستفيدون من الثلاجة ما بين العمال البسطاء والعاملين الميسورين إذ ذكر النمشان أنه رأى في شهر رمضان “جمعا غفيرا عند إحدى الثلاجات بينهم من أوقف سيارته التي تشي بيسر حاله ونزل منها ليأخذ وجبته” مرجحا أن يكون “ممن لا يجدون وقتا لطهي الطعام أو ارتياد المطاعم وذلك مما يسعدنا لأنه يثبت فعالية عملننا”.
وتسترعي تلك التجربة الواعدة اهتمام ودعم الكثيرين فعلى صعيد المختارين يقول مختار منطقة خيطان ضاوي العتيبي إنها “نافذة من نوافذ الخير وطريقة فعالة لتقليل هدر الطعام”.
ويرى العتيبي فيها “سبيلا لإفادة المحتاجين بالطعام الفائض في كل بيت يوميا وعلى مدار الساعة” في إشارة إلى اختلاف ذلك المنفذ الخيري عن “الشركات المتخصصة في توزيع الطعام الفائض التي تكون أنسب للولائم والأعراس”.
وفي شأن تنظيم عمل الثلاجات لفت إلى ضرورة أن “تشرف عليها جهة مسؤولة لتكون ضامنة لسلامة الطعام في كل وقت” معربا عن استعداده للتحرك من أجل تحقيق ذلك الهدف في حال تلقى طلبا من أصحاب الثلاجات بهذا التوجه.
أما مختار الفروانية مطلق المعصب فقد ذكر أن ثلاجات الطعام “تتماشى مع حلول منظمة الأغذية للحد من نسبة الفاقد والمهدر من الطعام إذ دعت إلى التبرع بالفائض والاستفادة مما يتبقى من الطعام لوجبة أخرى أو استخدام ما لا مفر من هدره في تصنيع سماد عضوي”.
واقترح المعصب أن يتم تنظيم وضع الثلاجات عبر إشعار أصحابها لأقرب فرع من فروع الجمعيات الخيرية الموجودة في المنطقة لتخصص موظفا يتابع ما يوضع بها من أطعمة محبذا أن يكون هناك دور لوزارة الصحة أو البلدية في هذا الشأن “لتوافر وسائل وآليات الكشف على سلامة الطعام لديها”.
وعن نوعية الطعام الذي تذخر به الثلاجات يقول حسن عجيل -أحد المستحسنين للفكرة- إنه رأى مثالا جيدا من أمثلة إدارة مثل هذه الثلاجات في منطقتي الصليبخات والعارضية مشيرا إلى أن الوجبات التي توضع بها غالبا ما تكون مرتبة ومن صنع البيت وتتنوع ما بين الأسماك و(المجبوس) وقد تشمل الحلويات في بعض الأحيان.
وذكر عجيل أنه رأى العديد من المستفيدين من تلك الثلاجات وخصوصا من عاملي توصيل الطلبات والعمال مبينا أن صاحب الثلاجة حريص على متابعتها وتنظيم ما بها حتى أنه كان في بعض الأحيان يشتري وجبات جاهزة حرصا منه على أن تظل “عامرة”.
وبقدر ما تمثله تلك الثلاجات من همزة وصل بين من يملك ومن لا يملك تحيط بها تحديات تتعلق في جانب منها بتنظيم أماكن وجودها وسلامة محتوياتها وسلوكيات تعامل المستفيدين معها ما يتطلب لفت النظر إليها لتجاوزها.
وعلى صعيد الرقابة لا تخضع الثلاجات لإشراف وزارة الصحة فهي وفق ما أوضحه المتحدث الرسمي باسم الوزارة الدكتور أحمد الشطي توضع بتوجه شخصي من صاحب المنزل دون أن تمر بأي آلية للحصول على ترخيص تجعلها تحت سلطة الجهة المرخصة وتلزمها بمتابعة صلاحية ما يوضع بها من أغذية.
وأعرب الشطي عن اعتقاده بأن “أصحاب هذه الثلاجات يتأكدون من عدم فساد الطعام الذي يضعونه فيها أولا بأول لا سيما أن هذه الأطعمة تتنوع ما بين السائل والصلب ولكل منها درجة حرارة تلائمها ما يستدعي الحرص على ضبط درجة برودة الثلاجات من أجل سلامة المستفيدين”.
وأشار إلى أن دور أصحاب ثلاجات الخير يختلف باختلاف المناطق التي توجد بها كما أن الاستفادة من أطعمتها تتفاوت من منطقة إلى أخرى وفق الكثافة السكانية فمثلا “المناطق التي يرتادها العمال والمحتاجون تنتهي فيها أطعمة الثلاجات سريعا فلا مجال لفسادها خلافا للمناطق المغايرة التي تظل فيها الأطعمة بالثلاجة فترة أكبر فتتطلب متابعة حثيثة من قبل واضعيها”.
ومن بين التحديات التي تواجه الاستفادة المثلى من تلك الثلاجات ضبط تعامل بعض المستفيدين مع محتوياتها فقد يطلع بعضهم على الوجبات المغلفة ثم يتركها بلا أغطية وفي صورة منفرة.
وعن ذلك الأمر يقول النمشان إنه يكون “في حدود ضيقة ولكن ذلك بشكل عام لا يمثل مشكلة كبيرة” مؤكدا أن “أهالي المنطقة يتابعون بشكل دوري الثلاجة للتأكد مما فيها والاطمئنان إلى صلاحيتها ونظافتها”.
واقترح أن يكون هناك دور تنظيمي لأي جهة حكومية كانت أو مجتمعية للاشراف على محتويات الثلاجات رغم أن الأمر بسيط “شريطة ألا يمثل ذلك قيدا على الراغبين في فعل الخير”.
وفي إشارة إلى سلبية أخرى في التعامل مع الثلاجات ذكر مختار الفروانية اتجاه بعض المستفيدين إلى الحصول على معظم ما يوجد بها من أغذية دون النظر إلى حاجة الآخرين مقترحا “وضع ملصقات بلغات عدة لتحض المستفيدين على التعامل المسؤول معها”.
ولمواجهة التحدي المتمثل في ضمان سلامة الطعام في تلك الثلاجات رجح مختار منطقة العمرية التي يوجد بها أكبر عدد مما تم رصده من ثلاجات طعام سعد الطشة توعية أصحابها بكيفية متابعة ما يضعونه فيها من أطعمة محذرا من وضع قيود روتينية تعرقل مسيرة هذا العمل الخيري المهم.
وبين أن أصحاب الثلاجات “حريصون على سلامة وصحة المستفيدين منها” وفي سبيل ذلك “يكلفون العاملين في المنزل بمتابعة الأغذية والتأكد من جودتها إلى جانب متابعة نظافة وكفاءة الثلاجة”.
كما نبه نائب رئيس فرع جمعية إحياء التراث الإسلامي بالعمرية مندني الكندري إلى أن ضمان سلامة الأطعمة يحتاج إلى موظف مختص ذي مؤهلات فنية تتيح له ذلك وهو ما لا يتوافر لدى الجمعيات الخيرية.
ولفت الكندري إلى أن الأهم في هذا الجانب هو دور صاحب الثلاجة ذاته “حيث نحرص نحن بدورنا على ترتيب وتنظيم الوجبات في ثلاجة الفرع لتكون في أبهى صورة”.
وشدد على أهمية طباعة ملصقات باللغات العربية والإنجليزية والأوردية لتوجيه المستفيدين من ثلاجات الخير وتنبيههم إلى ضرر بعض السلوكيات التي تحرف هذا المظهر التكافلي عن مساره وتمنع العديد من المحتاجين من التمتع بما يوفره من خدمات.
ومما سبق تظهر وبشكل جلي حاجة تلك الأيادي البيضاء إلى آلية ناجعة توفر لها الرعاية سواء لضبط سلوكيات المستفيدين منها بالتوعية والمتابعة الحثيثة أو لضمان سلامة محتوياتها وذلك من خلال تكليف جهة حكومية أو مجتمعية لتوفير موظف مؤهل ومخول فحص الأطعمة واستبعاد ما لا يصلح حتى تكون بحق باب خير مشرعا وآمنا لكل قاصديه. (كونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock