سوسن إبراهيم تكتب: دولة تعاني الستوكهولم
متلازمة ستوكهولم متلازمة تصيب ضحايا العنف أو التهديد المسلح أو الأسر أو أي شكل من أشكال الانتهاكات التي قد يتعرض لها الفرد (حالات نادرة). هذه المتلازمة تظهر حينما تبدأ الضحية ذكرا ً كان أم أنثى بالدفاع عن المنتهِك أو المجرم أو المختطِف الذي تعرض لها في بادئ الأمر، فتُظهر تعاطف شديد مع المجرم وتتفهم سلوكه غير السوي بوضع العديد من المبررات التي تسند موقفه وتحمي عمله الإجرامي بل حتى أنها تنسجم معه. وبالحقيقة ماهي إلا آلية دفاعية تستخدمها الضحية لتحمي نفسها.تتكرر حدوث هذه الحالة في كثير من القضايا الجنائية، فتقريب الثمانية بالمئة من الضحايا تصيبهم هذه المتلازمة. وإحدى هذه القصص حدثت بالفعل حينما اختُطف طفل يبلغ من العمر الحادية عشر أثناء ركوب دراجته. ولبث في منزل مختطفه قرابة الأربع أعوام حتى تم إلقاء القبض على مختطفه.الجدير بالذكر أنه أُتيحت له فرصة الهرب كثيرا ً ولكنه لم يحاول بل لم يفكر بترك المكان. بل وقد كانت لديه إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت، لكنه عكس التصرف المتوقع أظهر تعاطفا ً واضحا ً مع مختطفه ولزم مكان احتجازه.هذا ما يحدث حينما تصاب الضحية بمتلازمة ستوكهولم ولكن ماذا إذا أصابت دولة بأكملها. دولة بشعبها ونظام حكمها وساساتها! ماذا تتوقع أن يحدث؟هناك في وقتنا الراهن دول وسياسات استبدادية وقمعية تحارب الشعب وتطالبه بالتخلي عن أبسط حقوقه كإنسان أولا وكمواطن في دولته ثانيا ً. ومع ذلك تجد مواطنيها بشكل ما يبررون لدولهم بمبررات هشة وسطحية لا أساس لها من الصحة كعجز الدولة المادي أو تعرضها لمؤامرات “صهيونية ماسونية خبيثة“. مواطني هذه الدولة لا تقبل بأي لسان يصدح بحقيقة الأمر ويقومون بطمس أي أثر وأي حقيقة تظهر عجزهم وتخاذلهم لأنفسهم. نعم! توجد دول من يُصاب مواطنيها بمتلازمة ستوكهولم وستظل تعاني إلى أن تقتنع بأنها ضحية دولة وضحية مرض.تعمل هذه الدول على ترسيخ مفاهيم الوطنية المشوهة في نفوس شعبها وتُظهر زعيمها بملامح القوى والإنسانية بذات الوقت، ليكون وقعها على قلوب الشعب قويا ً وصلبا ً. حيث أنه يُبرمج عقولهم بطريقة تجعلهم يتقبلون اضطهادات سياساتهم القمعية بل وتوجد في نفوسهم مشاعر الاهتياج نحو ضرورة دفاعهم عنه وإن كانت لا تقدرهم بالفعل. حتى لو منحتهم دولهم بعض العطاءات البسيطة أو الأساسية يشعرون بامتنان وسعادة غامرة كما لو أنهم يعيشون في “جنة الفردوس“ أو في “المدينة الفاضلة“.والأمثلة على تلك الدول كثيرة وببساطة يُمكن تشخيصها بمجرد الاطلاع على أحداثها وتسلسل قراراتها في “الوقت الراهن“.نحن نريد دولا ً ديمقراطية؛ دولا ً تحمي الإنسانية وتطلق عنان الحريات إلى حدود السماء. نحن شعوب نود أن نقف مع دولنا وندافع عنها بأرواحنا ودمنا ولكن بلا استغلال لعواطفنا باسم الوطن. فالشرفاء لا تعنيهم كلمات المجد بل تعنيهم قوة الأفعال وحقيقتها.
سوسن إبراهيم محمد @SawsanIris3