كتاب أكاديميا

محمد بن خواش يكتب: ‏إنما العاجز من لا يَسْتَبِد

‏لم تأتِ عبارة (التاريخ يعيد نفسه) من فراغ، فمن يقرأ التاريخ يعلم علم اليقين حقيقة تلك المقولة، فالعاقل من يحسن قراءتها جيداً، لكن في زماننا هذا العديد من عِليَة القوم من الساسة والتجار لم يأخذوا عظة وعبرة من دروسها، فيقعون في نفس أخطاء من سبقوهم.

‏ كان للبرامكة شأن عظيم في صدر الدولة العباسية، إلا أنهم استغلوا نفوذهم فاستولوا على أموال الدولة وتغلغلوا في مفاصلها، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أنهم زعزعوا بيت الحكم، ففرقوا بين الأمين والمأمون أبناء الخليفة الرشيد، فبعد أن وُلِّي الأمين على الشام والعراق، أشاروا على الرشيد بعزل الأمين وإسناد الأمر للمأمون، وكان مرادهم بلوغ سدة الحكم حيث أن المأمون كان مقربٌ منهم، حتى بلغ بهم الأمر تهميش الخليفة نفسه، لكن الرشيد كان قد علم مرادهم لكن عدله وحلمه جعلاه يتأنى بمحاسبتهم،

‏فلما كان في بعض ليالي السمر أنشد أحدهم على مسامع الرشيد أبياتاً غزلية لعمرو بن أبي ربيعة لكنها أيقضت الرشيد من غفلته :

‏ليــت هنــداً أنجزتنــا مـا تعـد

‏ وشـــفت أنفســنا ممــا تجــد

‏واســــتبدت مـــرّة واحـــدة

‏ إنمــا العــاجز مــن لا يســتبد

‏فجعل الرشيد وهو المعروف بالعدل يكرر “إنما العاجز من لا يَسْتَبِد” فاستبد الرشيد بالبرامكة وقطع دابرهم وجعلهم في يوم وليلة نسياً منسياً.

‏تلك الحادثة أعطتنا دروساً في الحياة السياسية،

‏فاستبداد الرشيد في ذلك الموضع إنما هو حزم، حزمٌ حافظ على حكم الرشيد وعلى دولته وعلى رعيته، الاستبداد المطلوب هو ذلك المقرون بالعدل أما حينما يكون الاستبداد من دون عدل فهو طغيان وظلم.

‏كم من عائلة وحزب وتيار عبر التاريخ فعلوا كفعل البرامكة؟!، تمادوا على الدولة وعلى حكامها وعلى شعبها وأموالها، مستغلين أموالهم ونفوذهم وعدل وحلم الحاكم؟!

‏التاريخ يعيد نفس، إنما العاجز من لا يَسْتَبِد…

‏المهندس محمد بن خواش

‏Email: ⁦‪[email protected]‬⁩

‏Twitter: ⁦‪@mrq8i11‬⁩

‏ Instagram: mr_q8i111

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock