الحمود: غير المقبول أن تكون الجامعة مجرد إدارة بيروقراطية عادية تتبع القواعد الإدارية والنهج الروتيني والدورة المستندية الطويلة
صرّح الدكتور / إبراهيم الحمود رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس بأنه تم إنشاء جامعة الكويت بتشريع صادر عن مجلس الأمة من أجل إقرار الإستقلال الإداري والمالي بحسبانها مؤسسة تعليم عالي تهتم بالبحث العلمي وتدريس مراحل الليسانس والبكالوريوس والدراسات العليا من ماجستير ودكتوراة ورغم ذلك الوضوح فإن الإستقلالية الإدارية والمالية للجامعة أصبحت مفقودة في الواقع العملي ففي حقيقة الأمر أنّ القانون رقم 29 لسنة 1966 في شأن التعليم العالي وهو قانون الجامعة قد أكد على هذه الإستقلالية. وكلما كانت الجامعة مستقلة إدارياً ومالياً كلما كانت ذات مخرجات متميزة وقدرة تنافسية وأقليمية وعالمية ، فمن غير المقبول أن تكون الجامعة مجرد إدارة بيروقراطية عادية تتبع القواعد الإدارية والنهج الروتيني والدورة المستندية الطويلة والمعقدة التي تتحكم بالأجهزة التقليدية للدولة ، فالتعليم العالي يقوم على فنون أكاديمية تتطلب السرعة والمرونة والتعاطي المتطور المتحرر عن الروتين التقليدي للإدارة .
إنّ فرض الرقابات المختلفة جعل من الجامعة مجرد إدارة خدماتية جامدة تخضع لمجموعة من الإداريين البعيدين عن الرؤية الأكاديمية وأصبح الأستاذ الجامعي مجرد موظف إداري غير مبدع، لقد أصبح التعامل مع الجامعة كالتعامل مع أية وزارة لها موظفين تخضع للروتين في حين أن الجامعات بطبيعتها تحتاج للإستقلالية كي تنافس الجامعات العالمية .
إنّ الإستقلالية المالية والإدارية للجامعة واضحة وجلية في نصوص قانونها رقم 29 لسنة 1966 ، وأنّ المشرع في المادة (14) من القانون قد حرص على أن تكون الجامعة من خلال مجلسها المرجع الإداري الأكبر ، فمجلس الجامعة يقوم بإختصاصات ديوان الخدمة المدنية بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس بمعنى عدم خضوع الجامعة مطلقاً لديوان الخدمة المدنية وهذا هو دليل الإستقلال الإداري للجامعة في كل ما يتعلق بشؤونها الإدارية من تعيين وندب وإعارة وتأديب …الخ ، كما أنّ قرارات مجلس الجامعة في شؤون الخدمة المدنية تكون بمعزل عن رقابة ديوان الخدمة المدنية كتقرير المزايا والحقوق الوظيفية وغير ذلك بحسبان أنّ هذه المرونة هي التي تدفع الجامعات إلى استقطاب الكفاءات والعقول كالعلماء والفقهاء المواطنين منهم والأجانب .
إن الاستقلال الإداري للجامعة كما جاء في القانون رقم 29لسنة 1966 جعل من لجان ومجالس الكليات الجهاز الوحيد لإبداء الرأي والمشورة واتخاذ القرارات في كل ما يتعلق بالجامعة ومع ذلك نرى اليوم التراجع الخطير في استقلال الجامعة وذلك بسبب تخلي إدارات الجامعة لاسيما الإدارة الحالية عن استقلاليتها والإنطواء بالمخالفة الصريحة للقانون إلى ديوان الخدمة المدنية حتى غدت الجامعة إدارة من الإدارات العادية في الدولة وتم معاملتها كأية جهة حكومية . وفي مجال الإستقلال المالي للجامعة الذي يتضح من خلال تخصيص المشرع الميزانية الخاصة ثم الملحقة في القانون رقم 29 لسنة 1966 ، حتى تتحرر من الدورات المستديمة المعقدة والطويلة وذلك بحسبان الموضوعات التي تتناولها الجامعة تحتاج للسرعة والدقة.
فوفقاً للقانون إنّ إعداد الميزانية ومشروعها بيد مجلس الجامعة ودور الوزير يعتبر وصائياً ويتمثل بنقل هذا المشروع للجهات المختصة ومن ثمّ فعلى الجامعة أن تراعي عند إعداد الميزانية للعام المالي الإعتمادات التي تخصص للتدريس وللأبحاث وللمهمات العلمية لأعضاء الهيئة التدريسية وذلك من خلال زيادتها لدرجة تتناسب مع عدد الأعضاء في كل قسم علمي وبحيث تشمل هذه الإعتمادات المدرسين المساعدين إلى جانب أعضاء هيئة التدريس ، لاسيما وأن الترقيات تحتسب على أعداد الأبحاث ونوعها وجودتها وهذا لا يتحقق إلا بتخصيص مبالغ تتناسب ونوع الأبحاث ذلك أن الأبحاث المتميزة تحتاج إلى نفقات كبيرة وهذه النفقات في حقيقة الأمر والواقع تعتبر نفقات رأسمالية بحسبانها ذات عوائد كبيرة في التنمية البشرية.
إن مشاركة أعضاء الهيئة
التدريسية في المؤتمرات العلمية الإقليمية والعالمية ينعكس إيجابياً على الجامعة وعلى تصنيفها العالمي ورقيها ، ولكن مع الأسف الشديد درجت الجامعة في السنوات الأخيرة على تخفيض المخصصات المالية والإعتمادات لهذا النشاط الحيوي حتى أصبح القليل فقط من أعضاء هيئة التدريس في كل قسم علمي يشاركون في المهمات العلمية مما انعكس سلباً على الكليات وعلى الجامعة.
إنّ أعضاء الهيئة التدريسية بسبب فقدان الجامعة لإستقلاليتها الإدارية والمالية تحولوا لمجرد مدرسين ومعلمين بعيدين بشكل كبير عن البحث العلمي الذي هو العمق الحقيقي لتقدم الجامعات .
إن القانون أعطى لمجلس الجامعة مكنة تدبير أموال التعليم العالي من حيث استحداث إيرادات ذاتية ونص على التخصيص تطبيقاً لأحكام الدستور في المادة (142) منه التي أجازت تخصيص الإيرادات العامة لنفقة معينة بقانون . وهذا النص في القانون يعتبر من النصوص النادرة في قوانين تنظيم الهيئات والمؤسسات وهو يعني إرادة المشرع في تمكين الجامعة من تحقيق إيرادات ذاتية من خلال أنشطتها وأعمالها.
ففي حقيقة الأمر والواقع إن المشرع في القانون رقم 29 لسنة 1966 أعطى بشكل صريح وواضح للجامعة في أن تستثمر إيراداتها وتستقل في تكوين احتياطاتها وهذا يعني بأن الجامعة يمكنها أن تستغل استثمارياً المباني الجامعية وتعمل على استقطاب المشاريع الحيوية التي من خلالها تحقق روافد لميزانيتها تستخدمها لتحسين وتطوير مخرجاتها . وهذا هو التمويل الذاتي وتدبير الأموال واستثمارها وإدارتها والتصرف فيها وفقاً للقواعد والنظم الخاصة التي يضعها مجلس الجامعة كما نصت على ذلك المادة (14) من قانون الجامعة .
إن الإستثمار البشري من خلال المؤتمرات والدورات التدريبية وتقديم الادإستشارات للجهات المختلفة من المهمات التي نص عليها القانون كواجبات وإلتزامات على الجامعة وترك المشرع لمجلس الجامعة تنظيم هذه الفعاليات بشكل يحقق المنفعة المعنوية والإيرادات المالية للجامعة .
إن المشرع في القانون رقم 29 لسنة 1966 أعطى للجامعة عند نشأتها ميزانية خاصة ليبعدها عن الروتين الحكومي وأعفاها من الخضوع لقانون المناقصات المركزية بحسبان أن الدورة المستندية لا تستقيم والحياة الأكاديمية ذات الرتم السريع .
ولقد تم تعديل شكل ميزانية الجامعة الخاصة إلى ميزانية ملحقة مع بقاء المادة الخامسة من القانون التي تعطي المرونة والديناميكية لميزانية جامعة الكويت .
إنّ الذي عليه إعداد ميزانية الجامعة حسب القانون رقم 29 لسنة 1966 هو مجلس الجامعة والوزير ملزم بعرضها بهذا الشكل على جهات الإختصاص وفقاً للقانون المالي رقم 31 لسنة 1978 وللائحة الداخلية لمجلس الأمة والدستور.
ومما لا شك فيه إنّ من يدير أموال الجامعة هي الجامعة بمجلسها وذلك وفقاً لنص المادة (14 ) من القانون رقم 29 لسنة 1966 كما أنّ الفوائض المالية للجامعة تكون جزء لا يتجزأ من ميزانيتها ويتعين ترحيلها في أبواب ايراداتها المستقبلية، وفقاً للقانون أيضاً حتى يمكن مواكبة كل تقدم وتطوير .
إن البيروقراطية والروتين أضاعت استقلالية الجامعة المالية وغدت ميزانية الجامعة تابعة خاضعة للإداريين بعيداً عن أحكام القانون ونصوصه الصريحة ، وذلك بالرغم من خصوصية قانون الجامعة وبالرغم من أنّ القانون الخاص يقيد العام .
لقد آن الأوان بأن يتم تفعيل قانون الجامعة رقم 29 لسنة 1966 واحترام نصوصه قبل الحديث عن تعديله أو إلغاءه واستبداله بقانون آخر.
إن قانون الجامعة رقم 29 لسنة 1966 رسم جامعة مستقلة قوية تديرها إدارتها وترسم سياستها وتقوم بتنفيذها ذلك أنّ الهدف هو النأي بالتعليم العالي عن السياسة وتقلباتها وأمزجتها وأن الجامعة هي السبيل لتطور المجتمع ورقيه.