سليمان الخضاري يكتب: من طلب العلا… دفع اللآلي!
لا تدهشني الأنباء المتداولة عن فضيحة الشهادات المزوّرة وعدد المتورطين فيها، فبحكم موقعي الوظيفي كأستاذ جامعي وعضو سابق في جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت، وبحكم العلاقات الاجتماعية التي تربطني بالكثير من المسؤولين في القطاع التعليمي أيضاً، فقد كنا نرى ونسمع الكثير من التفاصيل حول هذه الكارثة وما كان يدهشنا هو صمت المجتمع والدولة عن كل هذا العبث بواقعنا ومستقبل أبنائنا!
كم بحّت أصواتنا ونحن نحاول إقناع المجتمع بخطورة ما آلت إليه الأمور من انتشار للتزوير والادعاء في موضوع الشهادات العلمية، وقد كانت ردود الفعل تتفاوت بين التقليل من حجم المشكلة أو عدم الاكتراث بها أساساً، رغم أن ما تسرب من معلومات كان يشير بوضوح لتفشي تلك الظاهرة في العديد من أجهزة الدولة، وبعضها يتصف بالحساسية وتمس مكانته الأكاديمية أو القانونية أو المهنية مثل تلك الأنباء، ولكن التدخلات التي مورست وقتها لقفل باب النقاش حول الموضوع كانت، كما يبدو، أكبر من قدرة الكثير من المسؤولين على التصدي لها!
الآن، حسب ما هو ظاهر على الأقل، ولأسباب كثيرة ليس أقلها رغبة الدولة في تحسين تصنيفها في المؤشرات الأكاديمية ومدركات الفساد وغيرها، يبدو أن الظروف الموضوعية بدأت في التوافر للتعامل المسؤول مع هذه المشكلة التي تكشف عن مشاكل أعمق وأكبر من مجرد تزوير شهادة للحصول على وظيفة أو درجة معينة، أو إرضاء لحاجات نفسية، فهذه الأسباب الأخيرة هي أسهل الأسباب التي نستطيع الإشارة لها والإطناب في شرح ما يترتب عليها من تدمير للمؤسسات الحكومية أو سوق العمل في القطاعين العام والخاص على حد سواء، لكن هذه الكارثة وحجم المتورطين فيها عدداً ومكانة، تكشف عن واقع عليل، نستطيع القول فيه إن تزوير الشهادات هو أحد أعراضه، وليس المرض نفسه!
ما يحدث من تساهل بعض الأفراد هنا وهناك مع فكرة تزوير شهادة أو شرائها، يكشف عما وصلت إليه قيمة الجد والاجتهاد في مجتمعنا، فما عادت الأهمية فيه تنصرف لعملية التحصيل العلمي وما يرتبط بها من بذل الجهد والوقت في ذلك، بل في اكتشاف أقصر الطرق للحصول على مجرد ورقة تسهل لمدعيها الحصول على ما يترتب عليها من منافع. وفي مثل هذه الأجواء الملوثة، تنشأ ثقافة أقرب ما تكون لـ «الفهلوة» يتم النظر فيها للجاد والمجتهد باعتباره بسيط التفكير، و«مو فاهم الدنيا»، ما ينذر بخلق جيل كامل لا يعير العلم والدراسة أي اهتمام طالما كانت نتيجتهما هي شهادة تضعه على قدم المساواة في الفرص الوظيفية مع من يستطيع الحصول عليها بحفنة دنانير وهو «مرتاح في بيته»!
إن ما يقوم به الأخ وزير التربية ومعاونيه حالياً من تصد لهذه الظاهرة المتفشية في الكثير من مفاصل الدولة هو عمل جبار، وكل ما نتمناه هو ألا يكون مصير هذه التحركات كغيرها من جهود مخلصة تمت عرقلتها أو «طمطمتها» بسبب أسماء أو أعداد أو مواقع من تورط بها، حتى نستطيع فعلاً أن نقنع أبناءنا بقيمة الاجتهاد في دراستهم من أجل مستقبل أفضل لهم ولجيلهم، ولنعود من جديد لاستخدام الأمثلة الجميلة التي استخدمها معنا آباؤنا يوماً، كـ «من طلب العلا.. سهر الليالي»…
والذي نتمنى ألا يتحول قريباً إلى من طلب العلا… دفع الدينار… أو الدولار… أو الهدايا… أو اللآلي… وهي جمع لؤلؤ… لمن ما زال مهتما بالبحث والدراسة في اللغة العربية، وتاريخ الكويت!