أ.د. نورية العوضي تكتب: كيف نبعث الحياة من جديد في جودة التعليم العالي؟ (1)
يحذّر المهتمون في مجال التعليم العالي من مدى ما تعاني منه مؤسسات التعليم العالي في الكويت من أزمة جودة عميقة، كما يؤكدون على ضرورة إصدار تشريعات ملزمة لحل أزمة تفشي التقاعس عن تطبيق آليات من شأنها إصلاح التعليم العالي. وقد شهدنا أخيرا ادلة تثبت أن الفساد الأكاديمي في التعليم العالي في الكويت مستشر ومتعدد الأوجه وأن محاسبته تتسم بالقصور الشديد.
يجب الإيمان بأن قيمة التعليم تكمن بالدرجة الأولى في نوعيته، وأن جودة التعليم هي الركيزة الأساسية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي بلد.
منع الغش
ولا شك أن تطبيق لائحة منع الغش وعقوبات المخالفين في امتحانات الثانوية العامة يشكل خطوة سليمة. وستسهم اللائحة حتما في حل جزء من مشكلة تضخم معدلات النجاح الوهمية. لكن الصورة المتفائلة التي رسمها البعض لتطبيق اللائحة، رغم أهميتها واسهامها في تغيير سلوك طلبة الثانوية العامة، مبالغ فيها، وهذه الخطوة تظل غير كافية لحل مشكلة تدني التعليم العالي وانتشاله من كارثة الشهادات الهشة. ففي نهاية الأمر يتخرج آلاف الطلبة بمعدلات متدنية (وستزداد هذه الآلاف بعد تطبيق لائحة الغش)، وسوف يسعى هؤلاء الطلبة للالتحاق بجامعات تفتقر إلى أبسط مقومات الجودة، كثير منها تعمل في دول عربية ومصنفة على انها جامعات حكومية، وسيصب هؤلاء الطلبة في المستقبل القريب في سوق العمل الكويتية وهم يحملون شهادات رديئة في تخصصات تمس عصب الدولة مثل الهندسة والحقوق والمحاسبة والتربية. فلا يمكن بناء مستقبل للوطن من دون بناء سياسات لجودة البرامج التعليمية، وهذه أحد المسلمات المحورية التي ينبغي ان تترجم الى واقع ملموس.
إن عزوف قيادة وزارة التعليم العالي الحالية عن اتخاذ قرار حازم لتطبيق توصيات وضعتها منذ مايو 2017 فرق ولجان من الأكاديميين الخبراء شكلها الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم العالي بغية منع التوغل المتصاعد للشهادات الرديئة في جسد الدولة، يعني تشجيع وزارة التعليم العالي لاستيراد التعليم الهش. وهو امر مدمر لمستقبل الكويت ويستحق المعالجة الفورية.
تشترك جميع الدول التي عزمت على إصلاح التعليم العالي وضمان جودته في عموميات أساسية، منها إعطاء صلاحيات واسعة لهيئاتها المسؤولة عن منح الاعتماد الأكاديمي المؤسسي والبرامجي ومسؤولة كذلك عن تقييم التزام مؤسسات التعليم العالي بمقومات فاعلية الأداء وجودة المخرجات ومعالجة الفساد الأكاديمي. وتعزز هذه الدول باستمرار الدور الرقابي والفني لهيئات الاعتماد الاكاديمي في وضع الاجراءات الوقائية لمكافحة ضمور الجودة وداء الفساد الأكاديمي التي من أبرز صورها التفشي الكارثي للشهادات الهشة والتوظيف من خلالها. ومن هنا، لم يعد إصلاح منظومة التعليم العالي على مستوى الدولة بحاجة إلى اجتهادات فردية بعد أن اثبتت أداة الاعتماد الأكاديمي فاعليتها.
جودة التعليم
إن معايشتي لوضع التعليم العالي منذ أكثر من ثلاثين عاماً كأستاذة جامعية وكإدارية باشرت مسؤولية مناصب قيادية عديدة، وترؤسي للجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي لمدة أربع سنوات كأول مدير عام له، تمنحني وبكل تواضع مصداقية الشاهد الذي يدرك عن قرب الطبيعة المركبة لأزمة ضمور جودة التعليم العالي في الكويت، ويعرف جوانب مهمة من التجارب الناجحة للاخرين في اصلاح هذا الضمور، ووضع منظومة التعليم على مسار الجودة الشاملة المستدامة. يجب أن تقر بان عالم الجودة في مجال التعليم ما بعد الثانوي بات عالماً يخضع لمعايير عالمية.
نؤكد فنقول إن العمل الأساسي لمعالجة إخفاقات مؤسسات التعليم العالي (وتدني تصنيف جامعة الكويت عاماً بعد عام دليل واضح على تعاظم هذا الإخفاق) لم يبدأ بعد، ولن يبدأ حقيقة إلا بتطبيق معايير الاعتماد الأكاديمي المؤسسي الذي يفتح مجال جودة التعليم العالي، على الآليات المعمول بها عالمياً وإقليمياً والتي أثبتت جدواها وفاعليتها.
أ.د. نورية العوضي